يتوجب على حكومة AKP إن لم تكن ترغب في السقوط أن تقترب بصواب للمرحلة التي بيّنَها القائد آبو لأجل الحل...
جيان هيفي
ما هي التغيرات الطارئة على مواقف الدولة التركية وحكومة حزب العدالة والتنمية AKP بشأن القضية الكردية بعدما بدأت الأخيرة وعلى حد تعبيرها " مرحلة اللقاءات" مع قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان؟ أقول على حد تعبيرها لأنه ليس بمقدوري تقييم ما جرى من لقاءات بـ "مرحلة اللقاءات". فعلى حد علمي بأنه - ما عدا لقاءات القائد مع أخيه- أجري لقاء واحد فقط حتى الآن وهو اللقاء الذي حصل مع أحمد ترك رئيس مؤتمر المجتمع الديمقراطي والبرلمانية أيلا آكاد. لتقييم هذه اللقاءات بـ" مرحلة لقاءات " يتوجب تواصلٌ دائم ومكثف لهذه اللقاءات. وبما أنه لم يتم حتى الآن سوى لقاء واحد فإن تناول موقف الحكومة على أنه موقفٌ موالي لحل القضية الكردية عبر الحل السلمي والديمقراطي سيكون مخطئاً. فالوقائع لا تشير لذلك بأي شكل من الأشكال. ولتوضيح رأي هذا أرى بأن القيام بسرد الأحداث والممارسات القائمة في هذه الفترة للإقرار بالوجهة التي يتجه إليها حزب العدالة والتنمية بهذا الصدد سيكون مفيداً.
- في الليلة الأخيرة من السنة، وفي نفس اليوم الذي حدثت فيه مجزرة روبوسكي، وتماماً في الفترة التي كانت السلطات التركية وعلى رأسها رئيس الوزراء يصرحون للرأي العام ببدء اللقاءات بشكل رسمي، قتلت الدولة التركية بشكل وحشي أربعة عشر كريلا في منطقة لجا التابعة لآمد. وبه وضعت حكومة AKP مٌهرها تحت مجزرة أخرى. - إلى جانب ذلك مازالت الإبادة السياسية القائمة تحت اسم KCK مستمرة بكل سرعتها. وفي هذه الفترة بالذات لنترك استمرارها دون انقطاع، فإنها أخذت حيزاً أوسع وأشمل بكثير كما لو أنه قد أعلنت حالة من الطوارئ ضد نشطاء وإداريي حزب السلام والديمقراطية BDP في كافة مدن ونواحي ومحافظات كردستان. - استمرت التمشيطات الجوية والبرية ضد قوات الدفاع الشعبي HPG دون أي انقطاع. إذ يكاد لم ينقضي يوم بدءاً من رأس السنة وما بعد، إلا وقامت الدولة التركية بقصف مناطق ميديا الدفاعية من دون التمييز بين المدنيين والقوات الدفاعية الشعبية. - استمر الإرهاب والعنف الممارس من قبل الشرطة ضد الشعب الكردي في مسيراته وتظاهراته دون أن تفقد من شدتها شيءً. فصور الشرطيون الفاشيون المدرعون و الدبابات المرشة للمياه الضاغطة والفلفلية على المتظاهرين الكرد و قنابل الغاز المحولة لشوارع كردستان إلى غرف الغاز الهتلرية لم تنقص أبداً من شاشات التلفاز وبرامج الأخبار ومانشيتات الجرائد والمجلات. - ومن الوقائع الأخرى الجارية في هذه الفترة هي " إستراتيجية أو مشروع الإرفاق" المعلن من قبل بشير أطلاي. جوهر هذا المشروع واضح للغاية. فالهدف الأساسي لهذا المشروع لا يختلف عن المشاريع الأخرى. إذ أن المخطط الأساسي لهذا المشروع هو الإلهاء، الخداع و التصفية تماماً كمشاريع AKP الأخرى. أي يمكن القول بأن هذا المشروع ما هو إلا في حقيقته الشكل الجديد لمشروع AKP " مشروع الانفتاح"، أو بتعبير آخر هو المصطلح والنظرية الأخيرة لفاشية AKP. - الحادثة الأكثر وحشية التي عشناها في هذه الفترة هي حادثة قتل الثوريات الثلاث ساكينة جانسيز (التي هي واحدة من مؤسسي حزب العمال الكردستاني وإدارييها)، وفيدان دوغان، وليلى شايلاماز في باريس. أظهرت هذه الجريمة الوحشية صحة شكوكنا في وجود مؤامرة دنيئة وراء هذه الخطوة مئة بالمئة.
يتبين وبكل وضوح من خلال ما أجريناه من سرد للوقائع والممارسات القائمة في هذه الفترة بأن مساعي حكومة AKP هي مساعي تصفوية هادفة إلى تصفية الحركة التحررية الكردية. ليس هناك أي إستراتيجية أو سياسة لحل القضية الكردية لدى AKP غير سياسة الإنكار والإبادة والضغط. وكل المشاريع والمخططات المتطورة من قبلها حتى يومنا الراهن ما هي إلا مشاريع قائمة بهدف التستر على هذه الإستراتيجية والسياسية. إذاً ما هو السبب في بدء AKP لللقاءات هذه المرة؟ بدءها لهذه اللقاءات هو بمثابة تنفس واستنشاق للهواء. الجميع يعرف بأن AKP وعلى الرغم من استخدامها لكافة إمكانياتها البشرية والتكنيكية قد عاشت هزيمة ساحقة في عام 2012 أمام قوات الدفاع الشعبي HPG. أضاقت هذه الهزيمة الساحقة الخناق على AKP من جميع النواحي وأدخلتها في مأزق كبير جعلها تعيش نوبةً من نوبات مرض الربو. عرفت حكومة AKP التي شهدت المقاومة والبسالة والروح الفدائية التي أظهرتها قوات الدفاع الشعبي HPG في الحرب، بأن وتيرة الحرب والنضال لقوات الدفاع الشعبي HPGستكون في هذه السنة أضعاف ما كانت عليه في السنة الماضية، لذا، ولإخراج نفسها من المأزق وجدت الحاجة لبدء هذه اللقاءات. وهي تفكر و تظن بأنها بهذا الشكل ستتمكن من قتل عدة عصافير. وسألخص ذلك كالتالي:
أولاً: فهي تفكر بأنها ستتمكن عن طريق هذه اللقاءات - التي يؤمن الشعب الكردي والرأي العام الديمقراطي بأن حل القضية الكردية بالسبل السلمية والديمقراطية ممكن فقط وفقط بالحوار مع قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان – من إلهاء وخداع الشعب الكردي والرأي العام مرة أخرى. تعلم حكومة AKP بأن قائد الشعب الكردي هو أمل الحل بالنسبة للشعب الكردي. لذا فهي عبر التصريحات القائلة " لسنا ضد إجراء وبدء اللقاءات" تواسي ذاتها بأنها ستقدر على استخدام هذا الأمل لأجل إلهاء وخداع الشعب الكردي.
ثانياً: تأمل حكومة AKP بأنها عبر هذه الخطوة ( بدء اللقاءات ) بأنها ستٌنهي فترة انتخابات البلديات التي ستجري في هذه السنة، إلى جانب انتخابات رئيس الجمهورية التي ستجرى في العام المقبل والتي يطمح أردوغان إلى تقلّده، لصالح حزبها.
ثالثاً: تفكر الحكومة بأنها ستتمكن في هذه الفترة أي في الوضع الذي لا تستطيع قوى الكريلا بسبب شروط وظروف الشتاء أن تكون فعالة مثل ما هي عليه في الفصول الأخرى، عبر التمشيطات والقصف الجوي والتمشيطات البرية في البعض المناطق الأخرى من القضاء على الكريلا ورفع عار الهزيمة الساحقة عن ذاتها. أي لأنها لا تستطيع النجاح والمقاومة في الحرب وجهاً لوجه أمام قوات الكريلا الشجعان والأباسل، فهي كعادتها تسعى للنجاح عبر مراجعة واستخدام الأسلوب القائم على غرس الخنجر من الظهر البعيد كل البعد عن الأخلاق الإنسانية.
رابعاً: خططت الحكومة عبر قتل الثوريات الثلاث والتي هرع حسين جليك على الفور بالتصريح بأنها مؤامرة داخلية - وبعدُ لم يكن قد مرَّ على ارتكاب الجريمة بضع ساعات ولا يعلم أحد بعدٌ بأصل المسألة - للتشهير بسمعة PKK ضمن الرأي العام. استهدفت الحكومة من وراء ذلك إلى إظهار حركة PKK كحركة قاتلة وعصاباتية ومافيوية، وبالتالي زعزعة المكانة والتأييد التي كانت قد اكتسبتها الحركة في المرحلة الأخيرة.
انعكست وانقلبت جميع الحسابات والمخططات التي قامت بها حكومة AKP ضدها. فهي وكما يقول المثل الشعبي " من حفر حفرة لأخيه وقع فيها" وقعت في نفس الحفرة التي حفرتها لـ PKK. فقد كانت قد خططت بأنها ستقوم بتصفية PKK، بل وعملت على تحضير القبر الذي ستطمره فيه ، إلا أنها سقطت هي ذاتها في القبر الذي حفرته بذاتها.
تُوضح مواقف وتقربات AKP هذه أكثر من أي وقت آخر نيتها من هذه اللقاءات. بحيث تبين للجميع بشكل واضح بأن ما تطمع إليه حكومة AKP هو تصفية PKK. ما يكمن وراء هذه اللقاءات هو مؤامرة دنيئة ضد الشعب الكردي وحركته. إذ بمكان أي إنسان رؤية ذلك بشكل واضح من خلال التصريحات التي يقوم بها AKP. وما تصريح رئيس الوزراء القائل " لا يوجد قضية الكرد، بل يوجد قضية المواطنون الكرد" لوحده كافي لرؤية موقف الحكومة الغير جدي والمصر على الإنكار والإبادة.
بالطبع فإن لقوى الهيمنة الرأسمالية وفي مقدمتها ABD يدٌ في هذه المؤامرة. واضحٌ جداً بأن النظام البديل للنظام الموجود متمثل ومتجسد فقد شخص الشعب الكردي المتبني لقائد الشعب الكردي وحركتة الآبوجية. فكيفما تمثل براديغما الحضارة الديمقراطية المتطورة من جانب قائد الشعب الكردي الخلاص بالنسبة للشعب الكردي وجميع الشعوب المظلومة، فإنها تمثل في نفس الوقت النظام الوحيد الذي يمكنه شل تأثير النظام الموجود وإنهاءه. بإيجاز، فإن العائق الوحيد أمام تدخل ABD في المنطقة هو نظام و براديغما القائد آبو. لذلك فإن تصفية PKK هو أمرٌ خيّر ويخدم مصالح الأنظمة المهيمنة الموجودة وفي مقدمتها ABD. وقفة PKK المتوجة بالنصر في عام 2012 واضحة للعيان ومعروفة من قبل الجميع. هذا وإلى جانب ذلك فإن حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM التي نعلم بأنها حركة تنظم ذاتها وتسير على أساس براديغما القائد آبو وتوجيهاته، كانت الحركة الأقوى والأكثر تنظيماً والمتحركة على أساس سليم وصحيح بشكلٍ يخدم مطالب الشعوب وأهدافها في سوريا من بين جميع حركات وأحزاب المعارضة الأخرى في مرحلة الثورة. تقدم وتطور حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM يعني تطور وتقدم الكرد الحر. المكانة التي سيكتسبها الكرد الحر ونيله لحقوقه الديمقراطية المشروعة ستؤدي إلى تحقيق وبناء سوريا ديمقراطية. والموديل الذي سيتحقق ويتجسد في سوريا على هذا الأساس سيؤثر على الشرق الأوسط عموماً. أي لن تتمكن القوى المهيمنة المستبدة من إدارة المنطقة بسحب ما يخدم مصالحها ومآربها. لذلك تعمل الأنظمة الاستعمارية وعلى رأسها ABD عبر تركية وعملائها الكرد بطليعة PDK كل ما بوسعها لإعاقة ذلك. ضمن هذا الإطار، يمكننا تناول مجزرة باريس على أنها خطوة من خطوات هذه المؤامرة.
لذا، بقدر ما حطم تبني شعبنا في كافة أجزاء الوطن وخارج الوطن لشهيداته الثوريات الباسلات ساكينة جانسيز، فيدان دوغان وليلى شايلاماز بروح الانتفاضة لآمال أعدائنا المصاصين للدماء، فإنه يجب على شعبنا وجميع القوى الديمقراطية في الوطن وخارج الوطن التيقظ وأخذ الحيطة مرة أخرى، وجعل كل لحظة يحيا ويعيش فيها لحظةً للعمل من أجل الحرية الكرامة والديمقراطية. يتوجب على حكومة AKP إن لم تكن ترغب في السقوط والانهيار أن تقترب بشكل صحيح للمرحلة التي أوضحها وبيّنَها القائد آبو لأجل الحل.