مقالات وأبحاث

موجز المؤامرة الدولية الدنيئة

مؤامرة ١٥شباط تعد جزءاً لا يتجزأ من الجهود الرامية إلى تحويل الشعب الكردي إلى مستًعمَر لا حول ولا قوة له...

 

بقلم الأنصار

إن تاريخ القرنين الماضيين هو تاريخ أرذل المؤامرات ، حيث أصبح التآمر اسماً للسياسة والدبلوماسية الماهرة، فالمؤامرة هي ظاهرة للمجتمع الطبقي أساسا وتهدف إلى إحداث الشلل بالأساليب الفجة والناعمة، للقوى الاجتماعية التي تحارب القمع والاستغلال الطبقي.

إن إحدى أكبر الخيانات للعصر، هي أنها لازالت تظهر نفسها وكأنها صديقة ومؤيدة للحرية من جهة وتحاول نسيان وإزالة أصحاب الموقف المظلوم والبطل دون رحمة من جهة ثانية.

فالتآمر حركة تتوحد فيها القوى التي تعتبرها قريبة منك، مع القوى المضادة عن معرفة أو بغفلة، في المراحل الاستثنائية للأحداث الاجتماعية للقيام بإسقاط الشخص أو المجموعة أو الحزب أو القوة الشعبية من خلال الضربة ووضعه في موقع غير شرعي.

فالمؤامرة المحاكة ضد القائد" عبد الله أوج آلان" بشكل عام قد تحققت على مسار الصراع الغربي ـ الشرقي، فهذه المؤامرة كانت بمثابة هدية سقطت من السماء على الشوفينية التي أصابها مس هستيري، وتم إعداد اللعبة الرومانية للقرن العشرين (أي تقديم الضحية للأسد في الحلبة)  كانت المؤامرة عميقة ومليئة بالإستفهامات لدرجة تتطلب إفشالها انطلاقة إنسانية متقدمة جداً لا تقل قيمتها عن قيمة القيام بالمعجزة.

 المؤامرة التي جرت ببدء مرحلة معاهدة أنقرة ـ واشنطن في عام 1998 تحت مظلة أمريكا ، القوة الإمبراطورية في راهننا ،  واتفقوا على صياغة برنامج سياسي،  يعني فيما يعنيه تأسيس الدولة الكردستانية الفيدرالية . ورأى ذاك البرنامج النور تحت وصاية إدارة أنقرة وحمايتها مقابل إصدار حكم مشترك بحق رأس عبد الله أوج آلان " ووضع PKK ضمن قائمة الإرهاب  يفيد هذا الحكم موضوعيا بالتصفية والإبادة .

إن المعاهدة المُبدعة في "أنقرة ـ واشنطن في17 أيلول 1998 " المليئة بالتناقضات ولا تذهب أبعد من كونها تقربا تكتيكياً تسعى من خلالها الأطراف المعنية إلى خداع بعضها البعض .

لقد تسارعت رسم الطوق وحركات المراقبة والاقتفاء المتعاظم على عبد الله أوج آلان على الصعيد العالمي ، مع تلك المعاهدة ، وأبدى جناح واحد بأقل تقدير في أمريكا عزمه الأكيد في ذلك . كما ولليمين الإسرائيلي أيضاً نصيبه الوافر من المساندة والإصرار المفروض ، إذ  وبينما رسمت إنكلترا مخططا بارعا لذلك ، أبدى الموساد الإسرائيلي مساهمته في المخطط ، عبر نشاطاته في العمالة الحسنة . 

وقد طرح المخطط التآمري الأخير هذا، بعد برم الاتفاقية العسكرية والاقتصادية مع الإدارة الإسرائيلية، بعد حادثة الانفجار المدمر الذي أطاح بالأبنية الموجودة عبر السيارة المفخخة المحملة بألف كيلوغرام من القنابل الملغمة " الديناميت "في 6 أيار 1996 في مدينة دمشق. والتي استدانت رئيسة الوزراء التركية تانسو جيللر خمسين مليون من الدولارات لأجل التنفيذ، وتقدمت الأمور خطوة أخرى، مع الحديث الذي أولاه رئيس القوات البرية التركية، موجها إياه إلى سوريا في 17 أيلول من نفس العام ، حينها أمرت الإدارة السورية وأشادت بالقول للقائد آبو: " أذهب حيثما شئت ".

وحينها عزم القائد آبو على مجازفة أثينا، بعد النداء الذي يمكن نعته بالدعوة نصف الرسمية ولم يلتزم بادوباس بالدعوة التي قدموها " للقائد آبو" ولم يكن هذا موقفاً يتخذه شخص شغل منصب الوزير والاستخبارات البريطانية هي التي لعبت دوراً أساسيا في مغادرته للشرق الأوسط.

فقد كانت لأثينا حساباتها الأخرى، كل ما كانوا يريدونه هو الاستفادة من أي شخص وبأي أسلوب ضد الخطر التركي، ولم يكونوا واثقين من الاستفادة من القائد شخصيا " طبعا بالشكل الودي "ولهذا كانوا من أنصار الاستفادة على الطريقة الإنكليزية التي تعتمد على أسلوب " دع الكلب يفتك بالكلب " وكان واضحا أن صداقاتهم كانت عملية خداع ومكر.

وبعد ذهاب " القائد عبد الله أوج آلان " إلى اليونان أدرك حينها قد تم الاعتماد أثناء التعامل معه على السياسة القاسية والمصالح الاقتصادية، ولم يكن الموقف الذي بدأ مع اليونان ناجم عن خوف من تركيا أو أنه تم اتخاذه بالاتفاق معهم، بل على العكس من ذلك إن النظام الغربي وفي مقدمته الرئيس كلينتون كان قد درس الموقف التركي مسبقاً وبشكل دقيق وعلى أعلى المستويات وكانوا مدركين جيداً، لتفجير ظاهرة حزب العمال الكردستاني وأوج آلان " على رأس تركيا واستخدامها بشكل واع جداً في سبيل مصالحهم، كانت إستراتيجيتهم وتكتيكهم تتضمن الاستفادة من "القائد" من أجل استخدام حزب العمال الكردستاني والكرد وتركيا والأتراك، لكي يعملوا على خلق حرب تستمر خمسين عاماً إذا لزم الأمر، ومن الممكن تقييم الأجزاء الرئيسية للإستراتيجية التي تم إتباعها، إذ أن الوصول إلى درجة يجعلون فيها تركيا تنفذ عملية القتل بيدها أو على الأقل تنفيذها بواسطة الرجعيين الشوفيين التابعين لهم، سيؤدي إلى تبعية تركيا وتحويل الكرد إلى لاجئين أذلاء محتاجين لهم، لقد أكدت المؤامرة التي استمرت أربعة أشهر في أوربا صحة هذه التوجيهات.

بعد موقف حكومة سميتس، اضطر  القائد عبد الله أوج آلان للخروج الذي لم يكن قد خطط له والصعوبات التي نجمت عنها، كانت روسيا في مقدمة الدول التي يمكن تجربتها، فقد كانت تعيش في مرحلة متأزمة لعملية إنحطاط وقعت فيها بعد الاشتراكية المشيدة.

 وكان رئيس الوزراء بريماتوف والرئيس يلتسن" الرئيس السابق لروسيا " من أهم خونة الاشتراكية المشيدة، وقد كانت عملية بيع القائد أوجلان مناسبة جداً في تلك المرحلة حتى وان كان له وضع استراتيجي، وذلك بسبب المصالح الاقتصادية المرتبطة بالاستخبارات السرية القذرة، فقد  كانت العلاقات مع صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتركيا تؤكد بأنه تم اتخاذ موقف لا قانوني ضده، علماً بأن مجلس الدوما أصدر قرار بشأن الاعتراف به كلاجئ سياسي بأغلبية 298 صوتاً مقابل صوت واحد ، ولكن هذا لا يعني شيئا بالنسبة لدولة مستبدة، فقد أرادوا أن يرسلوا "القائد" إلى قبرص عبر تركيا، وهذا يبين تعاونهم مع التآمر والرغبة في إرساله منذ تلك الأيام.

وبعد تجربة موسكو التي قد أصبحت موسكو القرن العشرين بسيطة جداً لدرجة لا يمكن أن يتصورها أي شخص له خيال سليم، فقد اتجهَ من بعدها إلى روما في 12 تشرين الثاني 1998 باعتبارها العاصمة والدولة الوحيدة في أوربا التي يمكن الذهاب إليها، تم وصوله إليها بمساعدة النائب رومان مونتوفاني، من مجموعة إعادة البناء التابعة للحزب الشيوعي، وقد تزامن وصوله مع مرحلة حكومة ماسيمو داليما التي استمرت عدة أشهر، لقد كانت مواقفهم ملتوية، إذ لم يقدموا أراء سياسية ولا حقوقية بشكل واضح، وكانت سلوكياتهم خالية من المبادرة بسبب تحريض الأوساط المالية الإيطالية الكبرى، وعدم تقديم الدول الأوربية الدعم الكامل، وبسبب الموقف الذي اتخذته ألمانيا بفرض نفسها، فمنذ البداية كان يتطور موقف لإبعاده، إذ تمت ممارسة ضغط نفسي مكثف بواسطة مجموعات بوليسية مدربة جداً، ولم يسمح له بمغادرة الغرفة مطلقاً،  وكانوا يفرضون رقابة شديدة جداً في حال الإصرار على الإقامة، وبهذا الشكل على كل شخص يحمل كل هذه المسؤوليات أن يغادر في أقرب فرصة ممكنة. ولم يبقى إلا أن يرموا بقائد حزب العمال الكردستاني" PKK" القائد عبد الله أوج آلان إلى الخارج عنوة. وقد تبينت نواياهم من محاولات تقديم الأموال للعديد من الدول من أجل تأمين مكانا له، ولم يكن باستطاعتهم اتخاذ موقف حقوقي ديمقراطي. وبهذا الموقف قد قدم ماسيمو داليما امتحانا سيئاً للغاية في مادتي حقوق الإنسان والديمقراطية، كان جبانا أمام الرأس المال الإيطالي، فلو امتلك صوتاً قانونيا وديمقراطياً قوياً لقدم مساهمة لا تنسى في تاريخ الحرية.

بوصول القائد لموسكو للمرة الثانية، كان يتم إعداد آخر فصل من فصول المسرحية. فقد كانوا يفكرون بالنهاية المعروفة، بوضعه في طائرة مشحونة، بكل استبداد وتلاعب، وبعد اعتقاله في منزل ريفي في العاصمة الطاجيكية " بشكك " وبمساعدة الجنرال المتقاعد ناغازاكيس عن طريق بتروغراد أتجه إلى أثينا، ناغزاكيس كان قد أتفق مع سيميتس على تسليم القائد هناك، لقد لجأ وزير الخارجية بانكالوكس إلى حيلة مكشوفة، فقد أرسلوا إلى البيت الذي دعاه إليه لأجل لقاء رسمي، فريقاً من رجال الاستخبارات رفيعي المستوى وهدده بمهلة لساعة معينةً، فإنهم كانوا قاموا بإعداد كينيا مع المخابرات المركزية الأمريكية منذ زمن بعيد، قال: كالينديريديس الذي كان يدعي  صداقة مع القائد. وقسم له بشرف دولة اليونان بأنهم وجدوا حل بواسطة جواز سفر جنوب أفريقيا، وأن الحل هو في كينيا نظراً لأن اليونانيين لهم تأثير قديم عليها وهي بعيدة عن الأخطار. وأنهم سيقومون  بتأمين طائرة خاصة من سويسرا في حين كانت  الطائرة تابعة لـ CIA، وأستلمه سفير اليونان في كينيا كوستولاس من المطار بكل سهولة، وأتى الأمر من وزراء الخارجية ووزارة المجتمع والعدل وجرت حينها مكالمات هاتفية على مستوى وزراء الخارجية ووزارة المجتمع والعدل والاستخبارات، ذهب كوستولاس إلى اجتماع حضره ابن رئيس المخابرات في وزارة الخارجية الكينية وسمحوا للقائد " عبد الله أوج آلان" بالبقاء  حتى 15 شباط وفي هذا التاريخ تم خطفه من المطار وأخذه  لتسليمه للدولة التركية.

 في هذه المؤامرة هناك أطراف عديدة ومن المهم التطرق إليها جميعاَ باختصار مفيد ولو كان محدوداً بدءا من الحسابات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية إلى حسابات الاتحاد الأوربي. ومن مواقف بعض الدول العربية إلى المصالح الإسرائيلية وحتى المنافع الروسية. كما يمكن القول أن الكثير من القوى السياسية على مستوى الدول لعبت دورها في هذه المؤامرة التي اعتقدت أمريكا تماماً أن تركيا ستخضع لها لدرجة الاستسلام، مقابل القائد. وآمن كل من الثالوث " أمريكا واليونان و إسرائيل" بأن تلبي تركيا كل ما يرغبه بكل سهولة، فمهما يكن الأمر، إنهم وضعوا " ألد عدو في قبضة يدها" وكانت الأيدي ستطال عندئذ مسألة قبرص ومسألة إيجة على نحو أسهل، وسيسري نهج إسرائيل على أرض الواقع بأكثر الصداقات الموثوق بها. وكانت تركيا ستلهث وراء تلبية طلبات أمريكا أياً كانت  باعتبارها الحليف الموثوق.

إلا أن هذه المؤامرة الذريعة ظلت بعيدة عن تحقيق النتيجة التي خطف بها القائد عبد الله أوج آلان تلك المؤامرة التي جرت بين 9 تشرين الأول عام 1998، و15 شباط 1998 والتي تعد  أكثر شمولية من كافة المؤامرات التي اعتمدت على الأشخاص والقوى العميلة التي تظهر بمظهر الأصدقاء، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ من الجهود الرامية إلى تحويل الشعب الكردي إلى مستًعمَر لا حول ولا قوة له.