أهم رسالة وجهتها انتفاضة 12 آذار كانت دعوة أن يدرك الأعداء حقيقة أن الشعب الكردي سوف لن يذعن للظلم أبداً...
الشهيد رستم جودي
لانتفاضة 12 آذار 2004 أسباب عدة ونتائج ما تزال تؤثر على الجوانب المختلفة في الحياة الكردية في غربي كردستان. الأسباب المباشرة لهذا الحدث المهم في حياة الكرد كانت الاهانات التي وجهها الشوفينيين العرب كعادتهم للقيم الوطنية الكردية أثناء مباراة لكرة القدم، ورد الفعل الذي أبدته الجماهير الكردية تجاه ذلك الشيء الذي أسفر عن صدامات تدخلت فيها الدولة لصالح الشوفينيين العرب، مستخدمة الأسلحة النارية والذخيرة الحية الأمر الذي أدى إلى استشهاد وجرح عدد من الوطنيين الكرد. واستمرت بعد ذلك الأحداث لتشمل كل مناطق تواجد الكرد في سوريا. بالطبع لابد من إجراء تحليل موضوعي للعملية وبالتالي تحديد المكانة التي تليق بها في تاريخ النضال التحرري الكردي عموما وفي سوريا على وجه الخصوص.
سبعة سنوات مضت على انتفاضة الكرد في غرب كردستان ومناطق تواجدهم الأخرى في سوريا، والتي كانت الرد الفعل الأنسب على ما تتعرض له قيمهم الوطنية والاجتماعية من تجاوزات، والحدث الأهم تاريخيا في مراحل النضال الكردي في ذلك الجزء، وبداية لمرحلة جديدة من النضال، من حيث الخصائص والوسائل والأساليب. وأننا في الوقت الذي ننحني فيه إجلالا أمام ذكرى شهداء الانتفاضة ونتقدم بالتعازي لعوائلهم على وجه الخصوص وعموم الشعب الكردي، ونعلن فيه عن تضامننا مع المعتقلين الكرد الذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب في السجون السورية. ندرك أيضا انه من الأهمية بمكان أن نقوم بإجراء تحليل موضوعي للأسباب التي أدت إلى هذا الحدث والنتائج التي تمخضت عنه وكذلك الدروس التي يجب أن نستخرجها منه.
في 12 آذار 2004 كان شعبنا في غرب كردستان يوجه للعالم الرسالة التي مفادها انه رغم كل ما يفتقر إليه من إمكانات، ورغم معرفته التامة بطبيعة النظام الاستبدادية الذي سوف لن يتردد في إتباع أكثر الأساليب بطشا لإخماد أي تحرك مهما كان سلميا واعزلا وديمقراطيا، وانه سوف لن يتلقى أي نوع من أنواع الدعم والمساندة لا إقليميا ولا عالميا. رغم كل ذلك فانه يعي بأن للحرية ثمن وانه مستعد لدفع هذا الثمن، وانه بات على درجة من الوعي والتعبئة، تؤهله لإدراك قيمه الوطنية وضرورة الدفاع عنها مهما كانت الظروف.
الأسباب المباشرة للعملية كانت الاهانات التي وجهها الشوفينيين العرب للقيم الوطنية الكردية أثناء مباراة لكرة القدم في مدينة القامشلي الكردية، ورد الفعل المشروع والطبيعي تجاه ذلك من قبل الكرد أدى إلى نشوب صدامات بين الطرفين. الدولة تدخلت لصالح الشوفينيين العرب وهجمت قوات الأمن بالذخيرة الحية على الوطنين الكرد الأمر الذي أسفر عن استشهاد وجرح عدد من الوطنيين وتم اعتقال الكثير بالإضافة إلى قيام القوى الموجهة من قبل النظام بعمليات استفزازية ضد أبناء شعبنا في المناطق الأخرى، وتم توزيع الأسلحة على العشائر العربية وخاصة القطاعات الشوفينية التابعة لحزب البعث منهم، للقضاء على أي تحرك كردي محتمل. وبالفعل قامت القوى المدنية والعسكرية في المدن المختلفة بعمليات النهب وحرق المحال التجارية التي تعود ملكيتها للكرد وتم استهداف أرواحهم بشكل مباشر. وكان يجري ذلك على قدم وساق مع عمليات المداهمة واعتقال العشرات لنشر حالة من الترهيب بين جماهير شعبنا وبالتالي منعها من القيام بأي تحرك في مناطق تواجدها تضامنا مع الوطنيين في القامشلي.
بالطبع إجراءات الدولة هذه لم تتمكن من منع الكرد وردعهم عن القيام بحقهم المشروع في المقاومة ضد ما يتعرضون له من هجمات شوفينية مدروسة ومخطط لها مسبقا، والتضامن مع إخوانهم في القامشلي. من الواضح أن الأمور لم تجري بشكل عفوي وعشوائي، بل كانت أمور مخطط لها مسبقاُ. وأن هذا المخطط كان له علاقات عضوية مع التطورات التي كانت تجري في العراق، حيث كان قد مضى عاماً على احتلاله من قبل قوات التحالف الانكلوــ الأمريكي. دأبت دول المنطقة وخاصة التي تتقاسم كردستان ووسائل الإعلام القومية العربية ومنذ بداية الغزو الأمريكي، على شن حملة تشهير واسعة ضد الشعب الكردي وتصويره للرأي العام العربي والإقليمي على أنه شعب متعامل مع الولايات المتحدة وإسرائيل ويقوم بالعمالة لصالحهم ضد مصالح شعوب المنطقة وأنظمة حكمها. كما لو أن الكرد هم الذين استدعوا الجيوش الأمريكية وافتعلوا حرب احتلال العراق متناسين وبشكل مدروس بان كل التسهيلات التي تم تقديمها للجيوش الأمريكية كانت من قبل الأنظمة العربية في الخليج والمناطق الأخرى، وأن قيادة أركان الجيوش الأمريكية في المنطقة كانت وما تزال تتمركز في قطر، وان مجموع الأحزاب العراقية العربية بما فيهم البعثيون المعارضون والأحزاب الشيعية كانت تربطها مع الولايات المتحدة وجهات أخرى علاقات كادت تكون عضوية، وكان يتم تمويلها من الخزانة الأمريكية وعلى المكشوف، وغيرها من العلاقات التي يعرفها الجميع. رغم ذلك تم إظهار الشعب الكردي كما لو أنه المسؤول الوحيد عن التدخل الخارجي، دون رؤية أن القوى العربية هي التي تقدمت قوافل الغزاة وليس الكرد. مع العلم أن ذلك لا يعني عدم وجود علاقات وثيقة فيما بين عدد من الأحزاب الكردية والولايات المتحدة وغيرها من القوى، ولا يعني أيضاً أننا نبرر العلاقات التي لا تخدم مصالح شعوب المنطقة أو حالة الاعتماد الكلي على القوى الخارجية. ولكن النقطة التي نحاول هنا التركيز عليها هي الدعاية المغرضة التي كان هدفها الأساسي التشهير بالكرد وجعلهم هدفاً للهجمات المختلفة من قبل القوى القومية العربية وغيرها من الأطراف في المنطقة. هذه الاتهامات كان هدفها تحريض الجماهير العربية وتعبئتها ضد الشعب الكردي.
النقطة الأخرى التي تم غض الطرف عنها وبشكل مدروس أيضاً هي مسؤولية النظام القائم في المنطقة عن التدخل الخارجي. فالطبيعة الاستبدادية للأنظمة الموجودة وخاصة النظام العراقي، مواقفه العدائية تجاه القطاعات المختلفة من أبناء الشعب العراقي، وممارساته التي وصلت إلى درجة القيام بالتطهير العرقي، كانت المبرر الأساسي للتدخل الخارجي. وبدلاً من الاعتراف بهذا الواقع وتحديد المسؤولين الأساسيين عن ما يجري في العراق حاولت بعض القوى في المنطقة وفي مقدمتها النظام السوري من خلال مؤسساتها السياسية والأستخباراتية الإعلان عن مسؤول افتراضي عن الوضع، وكان هذا المسؤول حسب ادعاءاتهم هو الشعب الكردي وقواه السياسية. وكانوا من خلال ذلك يسعون إلى تعريف الكرد على أنهم الأرضية التي من الممكن أن يعتمد عليها الأجنبي في محاولاته لفرض الهيمنة على المنطقة، أي أنهم يفترضون أن وجود الكرد بحد ذاته يعد خطراً كامنا، ومن أجل درء هذا الخطر يجدون ضرورة الزيادة من الممارسات القمعية على الشعب الكردي، ووصف كل دعواته المشروعة للحصول على حقوقه في الحياة على أنها مواقف تستهدف الوجود القومي العربي وتساند الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرها من الديماغوجيات لتبرير الحملات القمعية التي تشبه إلى حد بعيد حملات التطهير العرقي التي جرت في السودان ومناطق أخرى من العالم.
احتلال الولايات المتحدة للعراق أدى إلى أن يعيش النظام القائم في المنطقة حالة من الارتباك والفزع. النظام السوري ولأسباب معروفة كان أكثر الأنظمة قلقاً تجاه التطورات الجارية في العراق. القوى المدافعة عن الوضع القائم في المنطقة كانت تدرك أن حملة الولايات المتحدة لم تكن لتقتصر على قلب النظام في العراق فقط وأن هذه الحملة تهدف إلى إعادة تنظيم المنطقة بما يتوافق مع مصالح النظام الرأسمالي العالمي، وبالتالي فأنها وجدت نفسها مستهدفة سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. إضافة إلى أن سقوط النظام العراقي كان ضربة للنموذج الاستبدادي في الحكم وأن هذا الحدث كان من الممكن أن يؤثر موضوعياً على التوجه السياسي لشعوب المنطقة، ويشجعها على تنظيم ذاتها والدفاع عن مصالحها ضد استبداد الأنظمة. وعلى اعتبار أن الشعب الكردي هو أكثر الشعوب تضرراً من الوضع القائم في المنطقة وما يفرزه من سياسات تهدف إلى الإبادة والإذابة، ولكي لا يتمكن شعبنا من الاستفادة من التغييرات والتطورات الجارية وتحقيق مكاسب من خلال ذلك، نجد أن بعض الأنظمة قامت بهجمات تكاد تكون استباقية، واتخاذ التدابير الرادعة على المستوى الإقليمي كما هو الحال بالنسبة للاتفاق الشبه المعلن والمعادي للكرد بين الدول الأربعة التي تتقاسم كردستان.
من هذا المنطلق فأن الأجهزة الأمنية والتنظيمات المدنية والعسكرية التابعة للنظام في سورية أفرطت في استخدام القوة وبالغت في ممارسة العنف، كما لو أنها كانت تريد أن تلقن الشعب الكردي درساً حتى قبل أن يفكر بأن يقوم بأي تحرك عملي للتعبير عن ذاته. كانت العمليات تجري كما لو أن المناطق الكردية يتم احتلالها من جديد، حيث تم نقل وحدات الجيش والأسلحة الثقيلة إلى المنطقة وتم تسليح بعض العشائر العربية الموالية للنظام والتي مارست في بعض الأماكن عمليات السلب والنهب ضد الكرد بالإضافة إلى الاعتقالات العشوائية وعمليات التعذيب الوحشي التي مازالت مستمرة حتى يومنا هذا. كانت الأحداث تجري كما لو أنها تحضير للقيام بمجزرة.
من خلال ما تقدم ندرك أن المواقف الاستفزازية والعدائية للقوى الشوفينية المنظمة والموجهة، هي التي أدت إلى ظهور تلك الأحداث. وبالطبع يجب أن لا ينتظر أحداً موقف السكوت من الجانب الكردي تجاه هذه الاستفزازات والإهانات. كان من الطبيعي أن يدافع عن نفسه حتى في ظروف انعدام الإمكانات، وبالتالي فإن الانتفاضة جرت في ظروف انعدام فيها التكافؤ فيما بين القوى. من جهة هناك شعب أعزل تتعرض كل قيمه للإهانة ويتم تهديد وجوده القومي بشكل مباشر ولا يملك من أسباب القوة سوى القول كلمة لا. وهناك من جهة أخرى سياسة الدولة، تبيح كل الممارسات الممكنة القيام بها لفرض الاستسلام على الشعب دون أن يوجد أي رادع حقوقي أو قانوني، تستمد قوتها من القوى الشوفينية المعروفة بعدائها للكرد داخلياً، ومن القوى الإقليمية المعادية للشعب الكردي وفي مقدمتها تركية، ومن الصمت أو حتى الموافقة الضمنية العالمية. أن قول كلمة لا في هذه الظروف والتعبير عنها عملياً من خلال انتفاضة غير مسلحة وانتشار ذلك على شكل تظاهرات ديمقراطية في كل الأماكن التي تتواجد فيها الجماهير الكردية، هي بلا شك مواقف تستحق التقدير وتفرض على الإنسان واجب الاعتزاز بالانتماء لهذا الشعب.
الحقيقة التي يجب التركيز عليها، والكشف عنها ضد كل محاولات التشويه التي تقوم بها وسائل الدعاية التي يمتلكها أعداء الكرد هي أن هذه الانتفاضة لم تكن نتيجة توجيه خارجي ولم تكن لتربطها أية علاقات مع أية جهة خارجية، هي انتفاضة وطنية مئة بالمئة، تمثل الحق المشروع لأي شعب في الدفاع عن قيمه عندما تهان. ولكن انتشارها السريع في كل مكان، والتحدي النضالي الذي تميزت به، والشجاعة التي أظهرها الشعب، كل هذه الأمور مرتبطة عضوياً بارتفاع مستوى الوعي الوطني والاجتماعي بين قطاعات شعبنا، وبزيادة مستوى حساسيته تجاه قيمه الوطنية والاجتماعية واستعداده للدفاع عنها عندما تتعرض للخطر. باختصار، أنها ترتبط بالتحول النوعي الذي شهدته الساحة الكردية في غرب كردستان نتيجة أعوام النضال التحرري الأخيرة. أن وجود القائد آبو في هذه الساحة والنضال الذي خاضه أعضاء PKK بين الشعب وتصاعد النضال التحرري الوطني الديمقراطي في شمال الوطن والمشاركة الواسعة من قبل بنات وأبناء غرب كردستان في ذلك النضال ووصول عدد كبير منهم إلى مرتبة الشهادة في حرب الحرية. كل هذه العوامل كانت قد خلقت تطورات وتغيرات نوعية كانت بمثابة تعبئة موضوعية ظهرت نتائجها في 12 آذار 2004 وما تلا ذلك من أحداث.
الطابع السلمي للانتفاضة كان واضحاً فعلى الرغم من أن المنتفضين كانوا في الموقع الذي يمكنهم من توجيه ضربات موجعة لمختلف مؤسسات الدولة في المناطق الكردية إلا أنهم امتنعوا عن ذلك واقتصروا على توجيه الرسالة التالية والتي مفادها: أننا نريد فقط أن نعيش كمواطنين أحرار وفي إطار الوطن الواحد وأن تتوقف الممارسات التعسفية والإجراءات التي تستهدف وجودنا القومي. موقف الشعب الكردي هذا كان كافيا بحيث لا يدع مكانا للشك، لإثبات زيف ادعاءات السلطة السورية التي تتهم نضال الكرد بالانفصالية ومعاداة النظام.
أهم رسالة وجهتها انتفاضة 12 آذار كانت دعوة أن يدرك الأعداء حقيقة أن الشعب الكردي سوف لن يذعن للظلم إلى ما لا نهاية ولن يقبل بالإهانات دون الرد عليها بالمقاومة، ولن يقف مكتوف الأيدي تجاه ما يتعرض له من ممارسات تعسفية. وكانت الانتفاضة تعبيراً واضحاً عن فشل سياسية الإذابة والإنكار، لأنها فرضت عن النظام وبشكل لا يقبل النقاش الاعتراف بوجود الكرد وأن كان على مضض، والأهم في هذا المجال كان تصريح رئيس الجمهورية الذي أقر بوجود الكرد وقبل بأنهم جزء من النسيج الوطني السوري، وفي مناسبات أخرى عبر عن ضرورة أحداث إصلاحات في بعض الأوضاع التي يعاني منها الكرد في سوريا مثل حرمان قسم كبير منهم من حق الجنسية. وبتعبير أدق كانت الانتفاضة إعلان عن بداية النهاية للسياسات والأيديولوجيات الرسمية المتبعة ضد الكرد في سوريا.
كانت الانتفاضة العامل الأهم التي استعادت للكرد الثقة بنفسهم وكشفت عن القدرات الموجودة لديهم للدفاع عن الذات وتمكنت من جر أنظار العالم على المآسي التي يتعرض لها شعبنا في سوريا. الانتفاضة قوت من أواصر الوحدة والتضامن فيما بين القطاعات المختلفة من الجماهير الكردية وأحيت روح الانتماء الوطني والاجتماعي الواحد، بعد أن كاد النظام أن ينجح في ترسيخ حالة التجزئة والتشرذم وجعله أمراً واقعاً.
النظام وبالتوازي مع السياسات المعادية للكرد التي تديرها تركية في المنطقة، مستمر في إجراءاته التعسفية التي تستهدف الوجود الكردي في سوريا، ويتبع سياسات تختلف من الناحية السلبية عن سابقاتها، حيث أنه ورغم المبادئ الواضحة للحركة الكردية في النضال السلمي والحل الديمقراطي في إطار الوطن الواحد، إلا أن النظام يصر على العداء ويفرط في إتباع السياسات العنصرية، ويسعى إلى تنفيذ المشاريع التي تبنتها بعض الجهات في أعوام الستينيات من القرن الماضي لتفريغ المنطقة الكردية من سكانها الأصليين، وذلك من خلال التجويع والتعذيب والضغط المستمر الذي يستحيل تحمله، والقتل المباشر كما يجري بشكل خفي للشبان الكرد أثناء تأديتهم للخدمة الإجبارية في الجيش وكذلك حالات القتل تحت التعذيب في السجون. إذن ما زال السلوك الرسمي والعملي للنظام، رغم العهود التي قطعها على نفسه، هو الاستمرار في إتباع سياسة الإبادة والصهر، وتنفيذ المشاريع العنصرية، التي كانت محرقة السينما في العامودا والإحصاء والحزام الجزء المرئي منها. وان أهم درس نتعلمه من انتفاضة 12 آذار هو أن المقاومة المشروعة هي الطريق الوحيد لإفشال هذه المشاريع والمخططات. إن عدم مواجهة هذه المشاريع لردود أفعال نضالية في مختلف المجالات من قبل شعبنا يشجع النظام على الاستمرار في تنفيذها، ولكنه حين يواجه بالمقاومة فانه بالتأكيد سيضطر الى إعادة النظر في سياساته، والى إظهار الاحترام لإرادة وحقيقة شعب يدافع عن ذاته.
النظام ومن اجل السيطرة على الموقف تقدم بمجموعة من الوعود بشأن إعادة النظر في طريقة تناوله للمسألة الكردية، والتي أدت الى أن يبني عليها البعض من أبناء شعبنا الكثير من الآمال و التوقعات الايجابية. ولكن ظهر فيما بعد أن هذه الوعود لم تتجاوز حدود التصريحات ولم تقترن بأي سلوك عملي من شأنه أن يعالج القضية الكردية في سوريا. من ذلك نستنتج بأن الانتفاضة هي التي انتزعت تلك الاعترافات والتصريحات من فم ممثلي النظام، ومن اجل ان تتحول تلك التصريحات الى واقع عملي كان لابد من المتابعة والإصرار على النضال وعدم الاقتصار على انتظار الخطوات التي من المحتمل ان يخطوها النظام. للأسف وفي الوقت الذي كانت فيه الجماهير الكردية تنتظر ان تشهد المسألة الكردية تطورات ايجابية نسبية على الأقل في إطار التصريحات التي أدلى بها مسؤولي الدولة، نرى بأن أجهزة استخبارات الدولة، وبعد ان ضمنت توقف الجماهير عن التظاهر، شنت حملات واسعة من الاعتقالات ومارست التعذيب والتهديد لفرض الاستسلام وبدأت بتطبيق خطط تهدف الى التجويع والتهجير وضرب البنية الاجتماعية والثقافية من خلال نشر المواد المخدرة وغيرها من الوسائل والأساليب التي تستهدف المقاييس الأخلاقية التي يتمتع بها المجتمع الكردي ويعتبرها أهم ركائز وجوده واستمراره.
ان خط الانتفاضة يتم تمثيله الآن من خلال النضال الذي تخوضه الحركة الديمقراطية الكردية، وان هذه الحركة ملتزمة بالقيام بكل ما يقع على عاتقها من مهام في طرق تمثيل القيم والمثل التي تراكمت عبر مراحل النضال القاسي. رغم كل الأخطاء والنواقص إلا أن الإصرار وروح التحدي موجود، وهذا ما يجعل الحركة الآن موضوعة على رأس أهداف الأجهزة الاستخباراتية السورية. الاعتقالات والضغط والتهديد والمضايقات وعمليات التعذيب مستمرة، ولكن ورغم كل ذلك تقوم هذه الحركة بالتعبير عن ذاتها بشكل أو بآخر ومن خلال المناسبات المختلفة، وبذلك تكشف عن حقيقة أن النضال الذي تملك جذوره عمقا اجتماعيا ويمثل قيما تراكمت من خلال أنبل أنواع الكفاح، سوف لن تتمكن أجهزة ووسائل القمع من النيل منه مهما كانت. على هذا الأساس بإمكاننا القول بأن انتفاضة 12 آذار و المقاومات التي تطورت في السجون فيما بعد الانتفاضة كانت تعبير واضح عن التحول النوعي في السلوك النضالي لشعبنا في غرب كردستان. وأن ذلك قد تحقق نتيجة الميزات والخصائص النضالية الجديدة التي ابتكرتها حركة الحرية والديمقراطية الكردستانية المعاصرة بقيادة القائد آبو و PKK ، وليست كما يحاول أعداء الكرد تصويرها على أنها نتيجة التحريض والتوجيه الخارجي.
وأخيراً نجدد مرة أخرى استنكارنا للمواقف العدائية التي يتعرض لها شعبنا في غرب كردستان، من قبل السلطات السورية وندعوها الى أن تعيد النظر في مواقفها المعادية هذه، وتبدأ فعلا بوضع خطط وبرامج تتضمن حل عادل ديمقراطي للقضية الكردية بما يتناسب مع المصالح الحقيقية للشعب السوري بكل مكوناته الأثنية والدينية على أساس العيش المشترك بسلام ضمن الوطن الواحد وفي أجواء تسودها التلاحم الأخوي والاحترام المتبادل. لأن حل القضايا العالقة والتي تهم الشعب السوري قبل غيره لا يمكن حلها من خلال المشاركة في مشاريع تصفية حركة الحرية الكردية التي تديرها تركيا. ونعلن أن حركة الحرية الكردستانية وفي الوقت الذي تصر فيه على الحلول الديمقراطية السلمية، فأنها في الوقت نفسه سوف لن تقف موقف المتفرج إزاء الممارسات التي يتعرض لها شعبنا في غرب كردستان.