البطولة الحقيقية تهدف إلى بناء المجتمع الأخلاقي والسياسي في مواجهة المؤسسات القمعية والدموية...
بقلم الكريلا
البطولة تعني إبداء الإرادة والتضحية ونكران الذات والجسارة في سبيل تحقيق الأهداف الاجتماعية والغايات المصيرية المتعلقة بمسألة الوجود الاجتماعي الحي. لاشك بأن هذه الأهداف تتمثل في الحرية والعدالة والمساواة والأخوة والسلام كغايات أساسية للمجتمع البشري برمته. لذا فان البطولة الحقيقية تهدف إلى بناء المجتمع الأخلاقي السياسي في مواجهة المؤسسات القمعية والدموية المتمثلة في الدولة كظاهرة تهدف إلى تصفية النسيج الاجتماعي عبر نشر الانحلال الخلقي وشل إرادة المجتمع السياسية المتمثلة في حيويته الفعالة لإدارة نفسه بنفسه. من هذا المنطلق نرى بأن البطولة تعني تمثيل الحرية من حيث الجوهر، لان مثل هذه التضحية ونكران الذات تخدم قضية استعادة المجتمع لأخلاقياته المجتمعية الكومونية وإرادته في إدارة نفسه أي ممارسة السياسة. لان الفرق بين المجتمع الحر والمجتمع العبودي تكمن في هاتين النقطتين بالذات. فالحقيقة الاجتماعية والوجود يستمدان روحهما من الأخلاق والسياسة المجتمعية. وكما يوضح القائد آبو في سوسيولوجية الحرية، فان أي مجتمع عندما يفقد الأخلاق والسياسة فانه يفقد الحرية أيضا والعكس هو الصحيح.
كل الأقوام والشعوب والجماعات البشرية مرت بعصر البطولة أو المراحل التي اضطرت فيها إلى التضحية ونكران الذات في سبيل وجودها والدفاع المشروع عن نفسها. لذا فإن البطولة كروح وإرادة لمواجهة العبودية عبر النضال والتنظيم والوعي، فإنها بنفس الوقت تعتبر الحجر الزاوية لبناء آلية الدفاع المشروع للمجتمع.
صمود ومقاومة الأقوام والكونفدراليات العشائرية السامية "العبريين، الآراميين..." والآرية "الاورارتيين، الميديين..." والانتفاضات الدينية والمذهبية والمعنوية بدءاً بسيدنا إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد(ص) وحلاج المنصور و السهروردي ونسيمي ضد العبودية والتسلط والاستبدادية المتمثل في المدنية الطبقية الدولتية،هي ميراث وآيات من البطولة ونكران الذات.فنحن نسمع باسم كاوى و رستم زال و درويش عفدي في تاريخ الكرد الأدبي وبنفس الوقت نسمع باسم أبو زيد الهلالي و عنترة العبسي في الأدب الشفهي الشعبي العربي وشيخ بدر الدين وكور أوغلو وبير سلطان عبدال في الأدب الشعبي الشفهي والكتابي لشعوب الأناضول. لاشك كل ذلك ميراث للمقاومة من اجل الحرية والدفاع المشروع عن الأخلاق والقيم والوجود الاجتماعي ضد عبودية الفراعنة والنماردة والسلاطين وكل الطغاة الذين مثلوا مؤسسة الدولة.
من هذا المنطلق فان الحركة الآبوجية ظهرت على هذا المبدأ كحركة بطولة وتضحية ونكران للذات من أجل أسمى الأهداف الاجتماعية المتمثلة في الحرية ضد كل أنواع العبودية والتسلط والانحلال الخلقي من قبل مؤسسة الدولة السرطانية. التضحية ونكران الذات في سبيل حرية الشعوب والحقيقة والعدالة، نمت وترعرعت في قلب القائد آبو منذ أن كان طفلاً يستمتع بجمال قريته عمارا الواقعة في المنحدرات الجنونية لجبال طوروس على ضفاف نهر الفرات كمهد لأول ثورة اجتماعية قروية زراعية في التاريخ (10000 ق. م).
لقد واجه القائد آبو العبودية المفروضة على أقدم شعب في هذه الجغرافيا من خلال الإرادة والجسارة التي أظهرها في فكره وقلبه ونمط حياته لكسر الخوف المفروض على المجتمع من قبل الدولة القوموية التركية العنصرية والفاشية، وذلك في أصعب الظروف بالاعتماد على قوته الذاتية وشخصيته المتمتعة بالأخلاق المجتمعية العالية. هكذا إذاً، بدأ القائد بعملية خلق وتجديد روح البطولة في أذهان وقلوب أبناء هذا المجتمع الذي وصل إلى حافة الانهيار والفناء تحت نير العبودية والاستعمار من خلال التعمق والتأمل وفهم الواقع وإعطاء المعنى لكل ما يدور ويحوم في محيطه الاجتماعي منذ البداية. وطور مفهوماً للبطولة العصرية المبنية على الوعي والتنظيم والممارسة العملية الخلاقة والمتمتعة بالاستمرارية وعدم التراجع أمام حجم التحديات والصعاب مهما كان الثمن.
ولدت المجموعة الآبوجية الأولى على هذا الروح البطولية الواعية في مواجهة دولة ذات ممارسة فاشية دموية تستند إلى ميراث الفراعنة والنماردة والسلاطين المستبدين الممتدة إلى خمسة ألاف عام من عمر مؤسسة الدولة القمعية. لقد كان تلفظ القائد بالجملة التالية "كردستان مستعمرة " في أوائل السبعينيات بحد ذاتها بطولة، لأنه واجه التهديد والوعيد ليس فقط من الدولة بل من القوى العميلة المحلية أيضاً. أستلهم القائد آبو هذه العزيمة والروح المقاوم والإيمان الكبير والثقة العالية بالنفس، من تاريخ المقاومة الشعبية لشعوب الشرق الأوسط منذ مقاومة سيدنا إبراهيم ضد ممثل الدولة العبودية "نمرود" في أورفا ومروراً بالشجاعة الفائقة التي أبداها "الشيخ سعيد، سيد رضا وقاضي محمد" وهم صامدين على أعواد المشانق وصولاً إلى صرخات "دنيز كزميش" ورفاقه الثوريين في وجه الفاشية التركية.
في مطلع السبعينيات ولدت المجموعة الثورية الآبوجية وكسرت جدار الخوف المفروض على المجتمع في كردستان والأناضول. وتكونت الشخصية البطولية للرفيق "حقي قرار، كمال بير، مظلوم دوغان ومحمد خيري دورموش....الخ" في أجواء الكفاح الفكري والتنظيمي والجماهيري الساخن كشخصيات تاريخية تمثل المجتمع عبر الإرادة والأخلاق والسياسة المجتمعية ضد آلة الحرب الخاصة التركية المدعومة من القوى الإمبريالية العالمية "حلف الناتو". وقد تعرف الرفيق "مظلوم دوغان" إلى مجموعة من الشباب ومن ضمنهم الرفيق معصوم قورقماز "عكيد" في مدينة باطمان عندما كان يقوم بالنشاطات الثورية بين الجماهير في تلك المرحلة.
عندما تم اعتقال الرفيق مظلوم على يد البوليس في سنة 1979م، كانت الحركة الآبوجية قد تمكنت من مد جذورها فيما بين الطبقات الكادحة والفئات الشعبية الوطنية في كل أنحاء كردستان. بعد حصول الانقلاب العسكري في 12 أيلول من عام 1980 م، وصلت حدة التعذيب الوحشي في سجن آمد "ديار بكر" إلى درجة لا يمكن تصورها وتحملها.لذا تهيأت الأرضية لكي تثبت الحركة الآبوجية بأنها جديرة في قيادة نضال الحرية ضمن أقسى وأصعب ظروف عرفتها التاريخ. وهكذا برزت الشخصية البطولية للرفيق "مظلوم دوغان" كرمز للمقاومة التاريخية الثورية الآبوجية إلى الأمام واستحق لقب "كاوى العصر" بعد قيامه بعمليته الاستشهادية احتفالاً بعيد نوروز في 21 آذار سنة 1982م ضمن حجرته الانفرادية. وقد رفع الرفيق مظلوم راية الحرية عالياً تحت شعار "المقاومة هي الحياة والاستسلام هي الموت". هذه الفلسفة تعني خلق الحياة والانتصار على العدو في عقر داره "السجن" عبر تحطيم طوق الاستسلام المفروض على المعتقلين من قبل جلاوزة النظام الفاشي الأسود. وهذه هي البطولة بمعناها الواسع والعميق من خلال "صنع الحياة من بين ثنايا الموت".
وبينما كان الرفاق "مظلوم، فرهاد، نجمي، أشرف، محمود، كمال، خيري، عاكف وعلي" يسجلون الانتصارات بتضحيتهم بين الجدران الأربعة، فإن الرفيق عكيد "معصوم قورقماز" كان من بين الرفاق الذين يحضرون أنفسهم لتمثيل روح البطولة هذه والاستمرار في مسيرة الحرية وحمل الراية عبر تطوير حرب الدفاع المشروع الثوري على ذرى جبال كردستان.
وقد ارتبط أسمه بقفزة 15 آب التاريخية في سنة 1984م بسبب تمثيله للممارسة العملية لحرب العصابات الثورية بشكلها الإبداعي والخلاق. وسميت هذه الخطوة المتمثلة بعملية "أروه وشمذينان" بالطلقة الأولى في تاريخ المجتمع الكردستاني. لان هذه الطلقة الثورية التي سددها الرفيق "عكيد" على قوات الجيش الفاشي كانت بنفس الوقت الطلقة الأولى التي أشعلت روح البطولة ونكران الذات في نفوس الشبيبة الكردية واستعادت ثقة المجتمع الكردستاني بنفسه وحولت نقاط الضعف إلى القوة والأمل على درب الحرية. كما أن آلية الدفاع المشروع والدفاع الذاتي لهذا الشعب المضطهد تطورت على أرضية وروح هذه العملية البطولية. لذا تحول الرفيق عكيد إلى بطل ثوري – شعبي ووطني في قلوب الكرد وأكتسب احترام كل القوى الديمقراطية والمحبة للحرية والسلام في الشرق الأوسط والعالم. لقد استشهد الرفيق عكيد في 28 آذار سنة 1986 م على ذرى جبل "كابار" ولكنه خلف ورائه جيشاً من الكريلا الثورية وشعباً مناضلاً لا يقبل الاستسلام والخنوع والذل، وهكذا طويت صفحة العبودية في تاريخ كردستان وفتحت صفحة الحرية بكل جمالها ورونقها وصفائها وقدسيتها.
هذه الصفحة نقشت بحروف من الدم الطاهرة على ذرى جبالنا الشامخة، وحمل شعبنا أسم مظلوم دوغان ومعصوم قورقماز في ضميره ووجدانه وحولت ذكراهم إلى أسبوع البطولة فيما بين 21 آذار و28 آذار . لان هذا الأسبوع هو الجسر المعنوي والروحي والنضالي فيما بين مقاومة سجن آمد "ديار بكر" وصمود الكريلا بقيادة الرفيق عكيد على ذرى جبل "كابار، جودي، هركول، كاتو، باكوك، زاغروس وآرارات". من هذا المنطلق يصعِّد الشعب الكردستاني في كل سنة وتيرة النضال والمقاومة الديمقراطية في هذا الأسبوع المقدس بهدف تحقيق الأهداف التي استشهد من أجلها هؤلاء الرفاق. لأنه يوعي ويدرك بإن الدفاع عن الوجود والقيم الإنسانية الحقة ممكن من خلال الارتباط الروحي بهؤلاء الرفاق والسير على دربهم. وقد أثبت الشعب الكردستاني وخصوصاً الشبيبة والنسوة بأنهم جديرون وقادرون على تمثيل هذه الروح البطولية، لأنه لم يتراجع ولو قيد أنملة إلى الوراء بل حمل أرواح الشهداء في قلبه على الرغم من الهجمات الوحشية والإبادة ضد وجوده الثقافي والسياسي والجسدي من قبل الدول المهيمنة على كردستان.
لقد حملت المئات من الشباب الكرد اسم "مظلوم، عكيد، كمال، حقي، خيري، زيلان وبريتان" تعبيراً عن التفافهم حول هذه الروح البطولية المقدسة وقد انتشرت ثقافة المقاومة والنضال من أجل الحرية في جميع أجزاء كردستان وفي المهجر أيضا. وعلى أثر ذلك أنضم الآلاف من خيرة شباب غربي كردستان إلى صفوف الكريلا وحملوا راية الرفيق مظلوم وعكيد وخصوصاً بعد قفزة 15 آب المجيدة، انضمت الكوكبة الثورية الأولى لشبيبة غربي كردستان بشكل فعلي إلى نضال الحرية، واسطع مثال على هذه التضحية تمثلت في شخصية الرفيق الشهيد إسماعيل إبراهيم، عمر إبراهيم، محي الدين، نور الدين كلو، خالدة حسن، دجلة، سيدو، فراس وخورشيد قره تبه وإلى الكثير الذين انضموا للقافلة البطلة في غربي كردستان.
نحن الآن كحركة وكمجتمع نخوض صراعاً مريراً وحاسماً في مواجهة قوى الظلام والاستبداد المدعومة من قبل أمريكا وانكلترا وكل القوى المنتمية الى النظام العالمي الحاكم. طبيعة هذا الصراع يتمثل في الوجود أو اللاوجود. لأننا نواجه الإبادة والإنكار على يد الدول القوموية والفاشية المسعورة في كل من تركيا، إيران وسوريا وهم يهدفون إلى تصفية الهوية الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والسياسة عبر أتفاق ثلاثي إقليمي مدعوم باتفاق عالمي إمبريالي ضد أقدم وعرق هوية في الشرق الأوسط. لذا أعلنت حركتنا المرحلة الرابعة من النضال على قاعدة الدفاع المشروع والدفاع الذاتي الديمقراطي المشروع في سبيل سد الطريق أمام هذه الإبادة الوحشية والوصول إلى حل ديمقراطي سلمي للقضية الكردية على أساس المساواة والعدالة والأخوة مع الشعوب التركية، العربية، الفارسية وكل مكونات المنطقة الأخرى.
وعلى الرغم من إعلان حركتنا لوقف أطلاق النار من جانب واحد على نداء القائد آبو منذ ما يقارب سنة، فإن الأنظمة المذكورة مستمرة في سياسة الإبادة والإنكار ضد شعبنا. فقبل فترة قريبة أقدمت النظام الإيراني القوموي على شنق الرفيق "حسين خضري" بوحشية وكما أن النظام التركي مستمرة في حملات التمشيط وقتل القرويين الكرد واعتقال المئات من أبناء شعبنا، وأما النظام السوري القوموي الشوفيني فأنها تنفذ مخططات حزب العدالة والتنمية التركي في غرب كردستان عبر قتل شبان الكرد في الجيش والاستمرار في سياسة التعريب والتهجير والتجويع والتخويف ضد الشعب الكردي بغية تصفية هويته ووجوده. وفي الآونة الأخيرة أقدمت سلطات الأمن السورية على قتل أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي الرفيق "ماسيرو ديلوك وشورش ديريك" في المنطقة الحدودية تنفيذاً لأوامر العصابات الفاشية في تركيا.
هذا النظام الشوفيني الذي يجري وراء المغامرات الطورانية التركية، إنما تؤكد على عدائها للشعب الكردي في غرب كردستان والديمقراطية. ولكننا كحركة وكشعب سوف نتابع نضالنا بوتيرة عالية وسندافع عن وجودنا على أساس الدفاع المشروع الذاتي الديمقراطي مهما كانت حجم التضحيات والتحديات.
أن حركتنا كحركة مطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية والتي تستند إلى ميراث الثقافة الشعبية في الشرق الاوسط، لذا فهي ترى بأن الحل الأمثل والمناسب لجميع القضايا العالقة ومن بينها القضية الكردية لا تكمن في بناء الدول القومية والشوفينية التي تتخذ من الأحادية ( لغة واحدة، هوية واحدة، لون واحد...الخ )، مثلما هو الحال في تركيا وإيران وسوريا وغيرها، لأن حقيقة الشرق الأوسط، كمهد لتطور المجتمع البشري وكحديقة تزدهر فيها آلاف الورود والأزهار والثقافات واللغات لا تقبل موديل الدولة القوموية التي تم استيرادها من أوروبا على يد الصهيونية والطورانية التركية والبعث وما شابه من التيارات المتناقضة مع حقيقة هذه المنطقة.لأن هذه التيارات القوموية لا تمثل مصالح الشعوب بل تمثل مصالح الفئات المتنفذة والمستبدة والمتحالفة سراً وعلناً مع النظام العالمي الحاكم بقيادة أمريكا. ومن هذا المنطلق فأن القائد آبو حلل هذا الموديل وقدم البديل عبر نظام الكونفدرالية الديمقراطية التي تستند إلى تنظيم المجتمع وليس الدولة ولكنها لا تستهدف إلى هدم الدولة بل إلى إيجاد المعادلة التالية : الديمقراطية + الدولة. وأما بالنسبة إلى القضايا الاجتماعية ومن بينها قضية الدفاع الذاتي المشروع، فان المجتمع سوف يطور آليته عبر تنظيماته الديمقراطية والسياسية.لأن الدفاع الذاتي يستمد قوته من مدى تمثيل المجتمعات للقيم الأخلاقية الجماعية وإرادته في ممارسة السياسية ضد الهجمة الثقافية للدولة القومية العميلة للثقافة الحداثة الرأسمالية الهدامة.
وعلى أساسه ننادي شعبنا في كل مكان لرص صفوفه وتطوير آليات دفاعه الذاتي عبر التنظيم في مؤسساته الديمقراطية والالتفاف حول نهج القائد آبو أكثر من أي وقت مضى. كما نناشد القوى الديمقراطية في المنطقة على تطوير الوحدة النضالية من أجل مصالح شعوبنا ضد سياسة الظلم والاستبداد للنماردة والفراعنة الذين حولوا الشرق الأوسط إلى سجن الشعوب ومراكز للعبودية. وبمناسبة أسبوع البطولة في كردستان نناشد الشبيبة الكردية وكل فئات شعبنا في غرب كردستان إلى الارتباط والالتحام بذكرى كاوا العصر "مظلوم دوغان وقائد المقاومة الثورية الرفيق "معصوم قورقماز" وكل شهداء الثورة في هذه المرحلة التاريخية الحساسة.