مقالات وأبحاث

أيمكن الذهاب من جسر ياووز إلى الشرق الأوسط؟

تحرر الشعب الكردي وترسيخ نظامه الديمقراطي يمثل مرحلة هامة في اجتياز وحل قضايا الشرق الأوسط عموماً...

قادر خليل

تركيا والشرق الأوسط مثل المرجل الذي يغلي فيه الماء. يعيش النظام الذي قامت القوى الرأسمالية بتأسيسه قبل مئة عام اليوم حالة إفلاس. إذاً، كيف ستحل القضايا الموجودة؟ كيف سيتأسس النظام المفلس من جديد؟ هل يمكن لجسر ياووز الذي بدأت عملية إنشاءه أخيراً في اسطنبول أن يحل هذه القضايا؟ أيمكن الذهاب من جسر ياووز إلى الشرق الأوسط المنطقة التي تعمقت فيها القضايا؟!

 الوقت الذي تستعد فيه الدبلوماسية العالمية حل الأزمة السورية عبر كونفرانس جنيفر، تقوم روسيا والعديد من البلاد الأوربية بمتابعة مساندة أطراف الصراع وتزويدها بالسلاح.

إلى جانب حملة قوى الغرب هذه فإن قيام قائد حزب الله نصر الله رسماً بإعلانه الحرب ضد المحاربين ضد النظام يعد بعداً آخر للحوادث المتطورة.

كما إننا نرى ازدياداً في كثافة الهجمات ضد قوى الشعب الساعية لتأسيس إداراتها الديمقراطية في غرب كردستان في الأيام الأخيرة. هذا ويمكن القول بأن الخبر المار في وكالات الأنباء بشأن التقاء إداريي PYD  بإداريي الدولة التركية في القاهرة أضاف على الوضع السياسي الموجود لوناً مختلفاً.

بين رئيس الجمهورية التركية بأن اسم الجسر الثالث الذي ابتدأت فعاليات بنائه في اسطنبول هو ياووز سلطان سليم. بهذا الشكل وضعت حكومة أردوغان التي لم تَتَخلَّفْ حتى الآن في مواقفها عن الباشاوية العثمانية للعيان المثال الذي تحتذيه وتتخذه لنفسها "كإيديولوجي" مرة أخرى.

تنسحب قوات الكريلا لخارج الحدود. ويقال بأن المرحلة ( مرحلة التحرر الديمقراطي وإنشاء الحياة الحرة) وصلت إلى مرحلتها الثانية. هذا و يصرح العديد من السياسيين بأن " سكتت الأسلحة تماماً، ولن تتحدث من الآن فصاعداً". مما يبين ماهية عمق السياسة، ويضع مدى تطور مستوى الرأي للعيان!

إذا قمنا بإيجاز الوضع الموجود بخطوطه العريضة، فإننا سنرى بأن القضية هي قضية ذات أبعاد عديدة. ولكنني من المفكرين بأنه يجب لدى القيام بتحليل وتعليل الوضع و التعريف بالحقيقة النظر بشكل متكامل قدر الإمكان. التثبيت القائم على أن الحقيقة متكاملة هو تثبيت هام للغاية. إذا تم الانطلاق من هذا المنطلق فإنه بقدر ما يتبين لنا بأن حقيقة الأحداث في سوريا، تركيا والشرق الأوسط عموماً مجزأة ومختلفة،  فإنها قريبة ومرتبطة ببعضها البعض عن قرب، بل وحتى يمكن القول بأنها ذات بنية متكاملة وواحدة. الشرق الأوسط بكافة جوانبها بحسناتها، وسيئاتها، بجمالها وقضاياها ذات حقيقة متكاملة. وإن انطلقنا من حقيقتها كجغرافية غدت مهداً لتاريخ الآلاف من الأعوام، فإن هذا التكامل يأخذ وضعاً girift  أكثر أهمية. 

إنني أعرف هذا الوضع بهذا الشكل. كنت أرغب في تبيان وكتابة ما هو حسن بشأن ما يعاش ويجري من أحداث، ولكن القضايا الموجودة وأسلوب التقرب منها يبعث القلق في الإنسان. قبل كل شيء، على الشرق الأوسطيين أن يقوموا بحل قضية الشرق الأوسط وبالأخص القضية السورية (الساحة التي ينظم النظام العالمي الجديد ذاته من جديد على أساسه) بذاتهم. خالق القضية ومجيدها لا يمكنه حل القضية. إلى جانب تقييم اعتراف تركيا لـ حزب الاتحاد الديمقراطي PYD كتطور إيجابي إلا أنه يجب أن لا ننسى احتمال فرض تركية على PYD لانتهاج نهج وخط آخر خارج النهج الذي ينتهجه في راهننا. ما نتأمله هو اجتياز الدولة التركية لسياستها ومواقفها الخاطئة بشأن سوريا عبر تغييرها لتقربها وموقفها من PYD. ولكني مجبراً على القول بأن هذا الأمل ضعيف جداً. ولكن لماذا؟ لأن الدولة التركية ما تزال تديم وضعها ومكانتها كدولة تدلي بتصريحات جميلة وحسنة في محلها كلامياً ولكنها ضد الديمقراطية عملياً وتطبيقياً. حتى أنها تتقدم بسرعة وبوتيرة عالية في هذا الطريق. فهي ما تزال تستمر في الانضمام للصراع المذهبي الذي ترغب بعض القوى في خلقه من البداية في المنطقة كطرف في هذا الصراع. بل حتى أنها تهدف لتكون واحدة من رواد أطراف هذا الصراع. إلا أنها تغدو في الوضع الموجود كطرفٍ يُجر إلى هذا الصراع.

تقوم بتسيير حربها المذهبية هذه خلسةً من خلال سياسيات متعددة تمارسها في الداخل. تسمية الجسر الثالث باسم ياووز سلطان سليم المسؤول عن قتل أربعين ألف علوي هو استمرار للسياسات التعسفية الممارسة حتى يومنا الراهن. فقد هزم ياووز بمساندة الأكراد، أو على حد تعبير البعض باستخدام الأكراد الشاه إسماعيل. أما الآن فإنهم يحاولون استخدام الأكراد ضد نظام الأسد وذلك من خلال عقد الاتفاق مع الأكراد في صراع الشيعة- السنة. بحيث غالباً ما تشير بعض الفئات إلى هذا الاحتمال في حديثها. فحتى إنهم يربطون ذلك بالمرحلة المعاشة والأكراد في تركيا. يمكن رؤية أحقية هذا القلق إلى حد ما بالنسبة للفئات التي لا تعرف حركة التحرر الكردية. أما بالنسبة للذين يعلمون ويعرفون نهج حركة التحرر الكردية فإن هذا القلق خاطئ و في غير محله. فهي أحاديث، وألاعيب الحرب الخاصة التي تمارسها بعض القوى.

هناك حقيقة يجب معرفتها في هذا الموضوع وهي: " أن الأكراد ليسوا أكراد الماضي". لن يعيش الكرد في القرن الجديد ما عاشه سابقاً نتيجة وضعهم المشتت والمتجزئ.

الشعب الكردي الذي أجتر المآسي وعانى من أشد القضايا وأكثرها تعقيداً من بين كافة القضايا المعاشة اليوم في تركيا والمنطقة عموماً، وصل اليوم إلى مستوى يمثل فيها قوة الحل الوحيدة لكافة هذه القضايا. 

علينا الإشارة بأن كونفرانس المرأة الشرق الأوسطي القائم في آمد يمثل الأرضية الأساسية لاجتياز القضايا الموجودة في الشرق الأوسط أكثر من كونفرانس جنيفرا المخطط عمله. السياسة التي تكون فيها المرأة العامل المؤثر والفعال تمثل مفتاح الحل للقضايا وذلك بحكم مكانة المرأة التاريخية في الشرق الأوسط. 

إلى جانب ذلك فإن ثورة غرب كردستان التي تعرّف ذاتها كنهج ثالث في الثورة السورية هي القوة التي تخلق الأرضية الأساسية للحل والتي يمكن من خلالها وصول النظام والمعارضة السورية إلى نقطة تساوم. كيفما مثَّل الكرد في سوريا دور "المفتاح" في السابق فإنهم يمثلون ذلك الدور أكثر بكثير في يومنا الراهن. الأهمية التي يمثلها الشعب الكردي منتشرة في عموم المنطقة وعلى الصعيد العالمي أيضاً. وتعود أهمية الشعب الكردي هذه ووضعه الممثل لـ  " المفتاح" في حل القضايا إلى جوهر سياستهم الديمقراطية. فالذين لم يحرروا أنفسهم من السياسات الدولتية، ولم يأخذوا الجوهر الديمقراطي أساساً لا يمكنهم لعب أي دور في إنشاء الشرق الأوسط الجديد. فهؤلاء يتراكضون وراء طلي القديم وعرضه للسوق مرة أخرى. وضعهم هذا الذي لا يذهب أبعد من أن يكونوا عصا في أيدي القوى الأخرى التسلطية، وموقفهم الذي يأخذ السلطة أساساً يشكل أحد العناصر الأساسية التي لا يمكن قبولها ضمن الهوية السياسية الجديدة للشرق الأوسط.

النهج الثالث هذا هو نهج مستقبل الشرق الأوسط الجديد. ما يعاش في ثورة غرب كردستان هو حقيقة إنشاء حياة ديمقراطية مشتركة تحضن كافة المكونات المجتمعية سواء كانت علوية أو سنية أو سريانية أو يزيدية. دور المرأة في نجاح ثورة غرب كردستان واضح للعيان.

على تركيا أن تتراجع عن السياسة التي مارستها وما تزال تمارسها حتى الآن بشأن الوضع السوري، وتلبي ما تتطلبه المرحلة التي قام قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان ببدئها في الداخل وذلك بالقيام بخطو الخطوات الجسورة اللازمة لحظة قبل الأخرى. هذا النهج أو مشروع الحل ليس فقط في تركيا بل إنه يؤمن عيش الشعوب في عموم الشرق الأوسط ضمن السلام والأخوة ويأخذ الحياة الديمقراطية المشتركة فيما بينها أساساً. إذ أنه لا يقبل لا بهيمنة القوى الخارجية ولا بهيمنة القوى المحلية المناهضة للديمقراطية.

كونفرانس السلام والديمقراطية الذي تم عقده في أنقرة قبل أسابيع هو هام جداً بالنسبة لمستقبل الشعوب في تركيا.  فإن تم تطبيق القرارات المتخذة ضمن هذا الكونفرانس وتم تبنيها بشكل جسور فإنه سيتحقق تغييراً جدياً في حقيقة تركيا. فإن تطبيق الفئات والشخصيات المنضمة للكونفرانس والمساندة له لنهج الكونفرانس وقراراته سيخلق طريق الحل البديل في الشرق الأوسط عموماً. إذ أن الكونفرانس كان بنوعية النور الذي يرى من فوهة الخروج من دهليز الظلام الذي يسار فيه في الشرق الأوسط. المهم هو النجاح في السير باتجاه ذلك النور. هناك حاجة لعقد مثل هذا الكونفرانس لأجل الشعوب القائمة في سوريا أيضاً. 

كما وأن الكونفرانس المخطط عقده في هولير في الأيام اللاحقة يحمل أهمية كبيرة من جانب مختلف لأجل حل القضايا الموجودة. فهذا الكونفرانس يهدف إلى ترسيخ وحدة الشعب الكردي على أساس ديمقراطي. فتحرر الشعب الكردي وترسيخ نظامه الديمقراطي يمثل مرحلة هامة في اجتياز وحل قضايا الشرق الأوسط عموماً.

ينتظر الشعب الكردستاني وهو على عتبة عقد كونفرانس هولير مهام هامة وكبيرة للغاية. وفي مقدمة هذه المهام يأتي تحقيق حريته وإنشاء حياته الحرة، الريادة في خوض النضال الديمقراطي باسم كافة شعوب الشرق الأوسط. على الشعب الكردي النقاش طويلاً على هذه المواضيع بحيث يمكن تناول كل ساحة بحسب خصوصيتها واختلافاتها في هذه النقاشات.

وأريد تبيان بعض المهام التي أراها قد تساهم في تعميق النقاشات، وتأتي في بداية هذه المهام متابعة العمليات التي تهدف وتطلب حرية قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان. إلى جانب ذلك سيكون قيام الشعوب المنظمة في الشرق الأوسط وكردستان معاً بإنشاء حياة بديلة خارج نطاق الرأسمالية، إلى جانب تكوين تنظيمهم الاقتصادي وبناء الكومينات والمانيفاكتورات على أساسه بمثابة مفتاح الحل للقضايا الموجودة في الشرق الأوسط. لأن القائمين على تطوير النظام المتطور قبل مئة عام من الآن يحاولون الآن من خلال إجراء بعض التراميم وسكب الطلاء على النظام نفسه متابعته مرة أخرى. بديل كل هذه المحاولات هو نهج كونفرانس السلام والديمقراطية المنعقد في أنقرة، ونهج كونفرانس المرأة الشرق الأوسطية المنعقد في آمد، ونهج الكونفرانس العام في آمد. فالطريق واضح، وما يتبقى يقع على مجال التطبيق.