الإدارة الذاتية الديمقراطية هي تطبيق الحقوق الديمقراطية والوطنية للكرد ضمن إطار التحول الديمقراطي في تركيا وسوريا وإيران...
بقلم الأنصار
طرح القائد عبد الله عبد الله أوجلان ولأكثر من مرة مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لحل القضية الكردية ليس لأجل تحقيق حرية وديمقراطية الشعب الكردي فقط، بل من أجل تحقيق حرية وديمقراطية الشعب التركي أيضاً. هذه القضية التي تعتبر أهم القضايا العالقة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أنها تعيق التطورات الممكنة في المنطقة. عدم حل القضية الكردية لا يؤثر فقط على الشعب الكردي فحسب، بل يوثر سلباً على شعوب المنطقة عامة. لقد وضح القائد عبد الله أوجلان أن المشاكل القومية والوطنية المستعصية عن الحل في الشرق الأوسط نابعة من الأطروحات القومية والشوفينية التي تم تطويرها في الغرب وبناء الدول القومية على هذا الأساس. وأكد على أن الصراعات القائمة فيما بين العرب وإسرائيل و بين الكرد وكل من تركيا و إيران وسوريا والعراق ما هي إلا نتيجة ذهنية الدولة القومية. فلو لم يكن مفهوم القوموية والدولة القومية موجود لدى كل من الحكام العرب والإسرائيليين والفرس والأتراك وكذلك لدى البعض من الكرد لسهل حل مشاكل وقضايا المنطقة، ولكان وضع الشعب الكردي الذي فيه الآن وكذلك شعوب المنطقة مختلف تماماً. حيث أن مفهوم الدولة مرتبطة دون شك بالرأسمالية ومتحدة معها، وأن مفهوم الدولة هو أساس كل التخريبات والدمار التي تعيشها المنطقة والإنسانية جمعاء. فهي خطر محدق بالنسبة لكردستان والإنسانية عامةً. لأن الحلول ممكنة من دون الدولة أو الدولة القومية. فقد تم إثبات أنه ليس هناك أية فائدة من ذهنية الدولة القومية ليس فقط للشعوب المضطهدة، بل حتى للمجموعات التي تعيش تحت سلطة المفهوم الدولتي – القومي أيضاً.
في الحقيقة أن تركيبة كل أمة وتحولها إلى الدولة ليست بتركيبة اشتراكية، على الأغلب فإن من أظهر هذا المفهوم هم الرأسماليون أي البرجوازية الوطنية باسم التحول من الأمة إلى دولة الأمة. والذين طبقوها هم الاشتراكيون. فكما هو معروف في بداية القرن العشرين وعن طريق "عصبة الأمم"، تم قبول 14 بنداً من البنود التي طرحها الرئيس الأمريكي ويلسون بحيث تضمن هذه البنود بنداَ يوضح أو يقر بحق الأمم في تقرير مصيرها وتم قبوله بشكل مبدئياً.
فالبرجوازيين الوطنيين تمسكوا بمفهوم الدولة الوطنية بشكل أساسي، فمفهوم الدولة الأمة أو الدولة الوطنية تم تطويره بين الأمم الأخرى أي تطبيق وبناء الدولة الوطنية أو القومية هي الأنسب حسب ذهنيتهم. فالذهنية الأساسية التي يحملها مبدأ حق الأمم في تقرير مصيرها هو مفهوم تعزيز القوموية والدولة القومية، وبناءً على ذلك فإن القرن العشرين مع الأسف أصبح ساحة لتلك الصراعات التي كانت منبعها مفهوم الدولة القومية، وكانت الحرب العالمية الأولى والثانية المثال البارز على ذلك. فبسبب العقلية القومية والشوفينية والدولة الوطنية "القومية" تم التسلط وفرض الاستبداد على العديد من الشعوب والأمم، من قبل الأمم الأخرى ونتيجة تحرك الأمم الأخرى أي الشعوب المضطهدة بنفس الذهنية للحفاظ على دولهم القومية والنضال من أجل التحرر فقد زادت حدة الصراعات وأصبحت عقدة كأداء لا يمكن حلها.
في الحقيقة أن هذه الحروب بما فيها "حروب الشعوب المضطهدة"، ما هي إلا نتيجة مفهوم الدولة القومية نفسها، حيث إن جوهر الدولة الأمة أو الدولة القومية يخلق الأرضية لإثارة الصراعات والاشتباكات.
لذلك لم يقبل القائد عبد الله أوجلان مفهوم الدولة – القومية. ولم يبحث عن الحل للقضية الكردية ضمن هذا الإطار، لأن البحث عن الحل ضمن هذا النهج يعمق الاشتباكات والصراعات في الشرق الأوسط، وسيجلب معه حروب دامية، وهو بدوره ما سيجعل حل القضايا عصيبة للغاية. فقد أثبت بأن الحل السلمي العادل الديمقراطي ضمن حدود الدول التي يعيش فيها الكرد سيكون الحل الأنسب لحل القضية الكردية. في نهاية عام 2000 قام القائد عبد الله أوجلان بطرح بعض الاقتراحات لأجل حل القضية الكردية وكيفية التقرب منها. فقام على إثره ببحث أساسي للذهنية الدولتية – القومية. وصرح لمرات عدة أنه يمكن حل القضية الكردية على الأسس التي تضمن حرية الهوية واللغة والثقافة والسياسة والوجود للشعب الكردي دون المساس بالحدود السياسية المتواجدة. وكما وضح القائد عبد الله أوجلان ماهية الإدارة الذاتية الديمقراطية. إذ يمكننا أن نقول باختصار أن الإدارة الذاتية الديمقراطية هي تطبيق الحقوق الديمقراطية والوطنية للشعب الكردي ضمن إطار التحول الديمقراطي في تركيا وسوريا وإيران. وبالمعنى الأصح، يمكن تعريفها بهذا الشكل، وطن ديمقراطي تعيش فيه الأمم والأثنيات المختلفة ويضمن حرية اعتناق الأديان المختلفة ويحترمها بشكل مباشر.
فالإدارة الذاتية الديمقراطية تعني في الوقت نفسه تحقيق الديمقراطية داخل الأوطان، فهذه الخاصية والذاتية ليست لأجل الكرد فقط، بل يمكن تطبيقها من أجل كافة الاثنيات والمجموعات العرقية الأخرى. فالإدارة الذاتية الديمقراطية لا يحتوي على تقربات ضيقة تهتم بالحدود السياسية وتتصارع على الأمكنة. الإدارة الذاتية الديمقراطية هي مشاركة كافة الأثنيات والقوميات التي تأخذ مكانها في الإدارة في تعريف العلاقات السياسية والحقوقية وممارستها في الواقع العملي. كما تتضمن الإدارة الذاتية لكل قومية أو أثنية حق ممارسة السياسة بهويتها الذاتية، وحق التدريب باللغة الأم وحق تأسيس وتكوين التنظيمات الجوهرية الخاصة بحسب الحاجة، إلى جانب حرية الثقافة والتفكير والتعبير عن الرأي.
تعتبر المجالس المحلية التي تعتبر من الأسس ضرورة من ضرورات الديمقراطية، إن تم الوصول إلى الحل الديمقراطي. فالذاتية الديمقراطية هي قبول التنوع الموجود في المجتمع من كافة الجوانب.
إن تمكنت كافة الشعوب التعلم بلغتها الأم وإن لم يتم وضع العراقيل أمامها لتنظيم ذاتها وتأسيس مجالسها وتبيان إدارييها، وقامت بتمثيل إرادتها في المركز، وفتح المجال لها للاستفادة من كافة الإمكانيات بشكل عادل لتطور ذاتها وتعبر عن أفكارها بحرية في بلد ما حينها نستطيع القول بأن هناك ذاتية ديمقراطية في ذلك البلد.
الكونفدرالية الديمقراطية هي نظام تنظيم المجتمع:
تم إثبات أن الإدارة الذاتية الديمقراطية هي إيصال الديمقراطية إلى حالة من اليقظة في أي مكان، وتسيير الحقوق الديمقراطية ضمن المجتمع، أما الكونفدرالية الديمقراطية هي نظام يبدأ من البنية التحتية " القاعدة " والتي تعتمد على بناء المؤسسات الديمقراطية المحلية وكومونات القرى حتى يصل إلى تنظيم المجالس المحلية، ولأجل تمثيل إرادة هؤلاء كلهم يتطلب تأسيس مؤتمر الشعب لتطبيق الكونفدرالية الديمقراطية. إن معرفة الكونفدرالية الديمقراطية في المجتمع مرتبطة بالتعمق في مفاهيم الحرية والديمقراطية وتكريسه في تأسيس مؤسساته الديمقراطية أنه نظام تنظيم المجتمع، أي إعطاء حق التحدث وإبداء الرأي لكل فئات المجتمع وفتح المجال لإظهار إرادتهم وإيصالهم إلى تنظيم ديمقراطي. ففي يومنا الراهن فإن السياسة، الاقتصاد، الثقافة، القانون، الحقوق ... الخ تحدد بشكل فوقي ومركزي من قبل النظام الدولتي الرأسمالي المستبد والمحتكر الذي يفرض العبودية على المجتمع ويخرجه من ذاته. لذا فإن الكونفدرالية الديمقراطية هو النظام المجتمعي البديل للرأسمالية لأنه يأخذ إرادة الشعب أساساً له في كل شيء. وبالتالي فإن مطالبة الشعوب ونضالهم من أجل التحرر وتحقيق الديمقراطية أمرٌ ضرورة اضطرارية بالنسبة للمجتمع.