تلعب الإدارة الذاتية دور الجسر الذي يربط ما بين الكونفدرالية الديمقراطية أو الشعب وما بين الدولة...
شان ستِر بَرخودان
هل كل إدارةٍ ذاتيةٍ ،ديمقراطيةُ الطابع؟ يبدو، أن الطابع الديمقراطي لا يدمغ دمغته على كافة أشكال الإدارات، حيث هنالك العديد من أشكال الإدارات الذاتية الموجودة في العالم، تأخذ البعض منها مكاناً بين نظام الدولة، والبعض الأخر تأخذ شكل الدول المستقلة الإقليمية،كما هناك الإدارات الذاتية الثقافية، والإدارات الذاتية الخاصة باللغات...الخ. تظهر الإدارات الذاتية في الأماكن التي تعيش فيها القوميات والأديان والإثنيات المختلفة، حيث لا تظهر الحاجة إلى وجود إدارةٍ ذاتية في الأماكن التي تعيش فيها قومية واحدة، أما الإدارة التي نتحدث عنها فهي الإدارة الذاتية الديمقراطية، ذات المحتوى الغني، وبطبيعة الحال إذا أضفنا كلمة الديمقراطية على الإدارة الذاتية فهذا يعني إضفاء تغير كبير على فلسفتها ونظامها أيضاً، ولا يعني أنها دولة مستقلة وإنما هي نظام الشعب الذي يدير شؤونه بنفسه، لذلك لكي يتم فهم محتواها بشكل جيد يتطلب تعريف ذهنية الدولة حتى ولو كان بشكل مختصر.
من المؤكد أننا إذا عرفنا الإدارة الديمقراطية بأنها دولة إقليمية أو الهدف منها إقامة دولة مصغرة، سنتوصل إلى نتائج خاطئة للغاية. فمنذ بداية تغيير البراديغما، حلل القائد نظام الدولة، وكشف عن حقيقة الدولة وأسقط أقنعتها. في النهاية ما الذي ظهر إلى الوسط نتيجة تلك التحليلات؟ ظهر بان نظام الدولة ليس نظاما معبرا عن الشعب، فهو لا يمثل الشعب وقد خرج إلى الوسط رغما عن وجوده، لذلك لا يمكن أبداً لهذا النظام أن يعبر أو يمثل جميع الشعوب أو القوميات، ومهما تم تعريف الدولة من الناحية النظرية بهذا الشكل لكن من الناحية العملية يظهر بوضوح أنها لا تعبر عن تلك الحقيقة. لان الدولة منذ بداية نشوء الحضارة ومنذ بداية تأسيسها، ظهرت على أساس سرقة جهد الآخرين و نتيجة جمع الفائض من الإنتاج، نتيجة لذلك يقوم الأشخاص المتسلطين والمستبدين باستغلال عرق جبين الشعب، تقوم الدولة بالقضاء على ما بذله الشعب من مجهود باستثناء حفنة من الأشخاص اللذين يستفيدون من نظام الدولة. لذلك لكي تحافظ الدولة على وجودها واستمرارها تقوم بشكل دائم باستعباد الشعب، حيث تجذر عمق اقتدارها عبر استعباد الناس، لهذا السبب لا يمكن أبدا أن يتفق حرية المجتمع والناس مع مصالح الدولة، وإنما على العكس من ذلك سوف تقوم الدولة بتعميق العبودية أكثر.
الدولة والحرية مصطلحان مضادان ومتناقضان. عندما تتواجد الحرية والديمقراطية والمساواة في مكان ما لا يمكن أن تتواجد مفاهيم الدولة في ذلك المكان نفسه، والعكس صحيح إذا تواجدت الدولة والهرمية وحب السلطة في مكان ما لا يمكن أن نتكلم عن وجود الحرية والمساواة والديمقراطية في ذلك المكان. لذلك بسبب الأسباب التي ذكرناها في الأعلى نستطيع القول بان قيادتنا تخطت فلسفة وذهنية الماركسية واللينينية التي استهدفت بناء الدولة، ورفضت تلك الأفكار. في هذا النطاق اتخذ القائد من الذهنية التي تريد بناء مجتمع طبيعي وديمقراطي وحرية الجنس أساسا يستند عليه، حيث يريد القائد إقامة جميع مؤسساته على هذه الذهنية. النموذج الأكثر عصرية وتحديثاً والتي تستطيع أن تعبر عن هذه الذهنية الجديدة وتستطيع كل الأطراف أن تعبر عن وجودها في داخل هذا النظام هو نظام الكونفدرالية الديمقراطية، والذي تم انبعاثه من قِبِّل حركتنا كمثال عن النظام المناسب والديمقراطي. كونفدرالية الشعوب او بمعنى آخر الكونفدرالية الديموقراطية وليست كونفدرالية الدول، هذا النظام هو نظامٌ ديمقراطي، أما نحن فنقوم بدورنا بتأسيس هذا النظام وفق حاجة المجتمع والشعوب وليس وفق ما تقتضيه ذهنية الدولة
في الوقت نفسه يصبح نظام الكونفدرالية الديموقراطية نظام الشعب المنفصل عن الدولة. بما أن الشعب لا يرى أي تمثيل له في نظام الدولة ، إذاً يجب عليه أن يبني نظاماً خاصاً به. إنَّ الكونفدرالية الديمقراطية تعبر عن أسلوب حياة الشعوب، حيث يتم بناء نظامها من قبل الشعب والمجتمع، لذلك لا يؤخذ إذن الدولة لبناء هذا النظام، وإنما يتم تأسيسه كاملاً رغما عن قبول أو رفض الدولة فهي تنظيم الشعب.لذلك سيبقى هذا النظام مستمراً سواء قبلت الدولة أم لا تقبل فنظام الكونفدرالية الديمقراطية هو نظام الشعوب، والشعب في نظام الكونفدرالية الديمقراطية صاحب رأي مستقل وله حرية التعبير ويملك حق إعطاء القرار. في الوقت نفسه يحق لكل مؤسسة موجودة في نظام الكونفدرالية الديمقراطية أن تعبر عن آرائها و قراراتها.
عندما نأتي على ذكر موضوع الإدارة الذاتية يتجسد أمام ناظرنا صورة مختلفة. حيث تلعب الإدارة الذاتية في الوقت الراهن دور الجسر الذي يربط ما بين الكونفدرالية الديمقراطية أو الشعب من جهة وما بين الدولة من جهة ثانية. يجوز أن تعبر صيغة الدولة + الديمقراطية المتشكلة بجانب الدولة عن تنظيم الشعب لنفسه. كنا قد ذكرنا في الأعلى بأنه الكونفدرالية الديمقراطية لا تطلب من الدولة وإنما تبنى رغماً عن الدولة، لكن هذا الأمر ليس سيان بالنسبة للإدارة الديمقراطية. نستطيع القول بأنها تلعب دورا أكثر سهولة. فعلى سبيل المثال: إذا اعترفت الدولة ببعض حقوق الشعب الكردي ولم تصبح عائقاً أمام الشعب، سيقوم الشعب حينها بتنظيم نفسه بمحاذاة وجود الدولة، من الجوانب الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية، السياسية، التعليمية ...الخ.
بالطبع هذا ليس أمراً هيناً أو بسيطاً. هنا المبدأ الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان هو عدم تدخل الدولة في الشؤون الحياتية للشعب الكردي وفي الوقت نفسه لن يتدخل الشعب الكردي في وجود الدولة بأكملها. كمثل نهران يجريان بجوار بعضهما ولا يمسان بعضهما بعضاً. عندما نتمعن في عمق هذه الحقيقة سنتوصل إلى النتيجة التي مفادها أنَّ الشعب الكردي لايطلب من الدولة سوى احترام الوجود الكردي كقومية وكمجتمع، وعدم زرع العوائق أمام تطورات الشعب الكردي. فعدم إقامة الدولة للعراقيل يعد أكبر مساعدة لبناء الأمة الديمقراطية الكردية. حيث سينظم الشعب نفسه، وسيطور نظام التعليم والتدريب الخاص به. وسيعبر عن ثقافته بشكل حر، بشكلٍ آخر نستطيع القول بأن صيغة الدولة+الديمقراطية سيتم تطبيقها بشكل قوي على أرض الواقع، ستزداد مشاركة ومبادرة الإداريين المحليين، ستصبح اللغة الكردية لغة التعليم الرسمية.
في الجانب الآخر النقطة الأكثر أهمية هي جعل الدولة تشعر و تصحو على أهمية الديمقراطية، حيث جعل الدولة تفهم حقيقة قيم الشعب و الديمقراطية تعتبر مرحلة مهمة للغاية على طريق تطوير نظام الشعب الديمقراطي. على سبيل المثال يقول مصطفى كمال في إحدى تصريحاته الإعلامية التي أدلى بها:"ستشكل الأغلبية من الشعب في أي مدينة نظام الإدارة الذاتية وسيكون صاحب كلمة وقرار في الأمور الحياتية،لكن الوالي سيملك إمكانية المراقبة فهو مكلف من قبل الدولة، وفي حال ظهرت التناقضات ما بين الدولة والشعب بإمكان الوالي أن يلعب دوره المنوط به". لايوجد أي دور للوالي سوى الذي ذكرناه أي القيام بدور الوساطة بين عمل الدولة من جهة والشعب من جهة أخرى. بمعنى آخر دور الدولة في كردستان يجب أن لا يتخطى هذا الإطار.لكن بات جلياً بأنه النضال الذي يوجد بين الشعب والدولة لن يتوقف بمجرد أخذ بعض الحقوق، وإنما سيستمر هذا النضال إلى أن تنطفئ الدولة ويصل الشعب إلى مستوى إدارة نفسه بنفسه، سيبقى النضال موجوداً ومستمراً دائماً، فالنضال الأكثر عمقاً يتشكل في هذه الفترات.
بمعنى آخر، يجب على الدولة التركية أن تتعرف على الحقوق التي قد خرجت نتيجة نضال الإنسانية، حيث توجد العديد من الأمثلة المشابهة التي ظهرت في العالم. لكن يجب ألا يفهم هذا الأمر على أنه كرم أخلاق من الدولة، لان جميع الحقوق التي سيأخذها الشعب الكردي هي مرتبطة تماماً بالنضال الكبير الذي بذله، لذلك يجب أن يتطرق إلى هذا المبدأ على انه عنصر"مزيد من النضال يعني الوصول إلى مستوى أخذ الحقوق وتحقيق الديمقراطية والحياة الحرة". من هنا نستطيع القول: إن الحرية والديمقراطية لا تعطى وإنما تؤخذ عبر الجهد الذاتي والنضال المستمر، بالإضافة إلى الثقة بالنضال بشكل واعي ومعرفي والتضحية بالنفس في سبيل قضية الديمقراطية والحرية، وهذا ما يشكل إحدى أكثر المبادئ الأساسية لتحقيق الانتصار.