مقالات وأبحاث

ثورة ١٩تموز في غربي كردستان

إن السياسة الحكيمة التي اتبعها الكرد بطليعة PYD قد أثبتت نجاحها وتفوقها...

دكتور وجدان

احتفل الشعب الكردي في التاسع عشر من تموز بالذكرى الثانية لانتصار الثورة الشعبية في غرب كردستان والمطالبة بالإدارة الذاتية الديمقراطية. وكان بدء انطلاقتها مدينة كوباني عرين الفرات ومنبع المقاومة، وبعد ذلك انتشر لهيب الثورة رويداً رويداً لتشمل وتعم كافة المدن والقرى في غربي كردستان. حيث انتفضت عفرين بقراها ونواحيها في الغرب الأقصى ووصلت إلى ديريك في الشرق الأقصى على ضفاف نهر دجلة العريق، لتدل هذه الثورة أركان مؤسسات النظام وتخلصها من أيديهم الفاسدة وتسلمها إلى أصحابها الحقيقيين وذلك على درب بناء الإدارة الذاتية الديمقراطية في غرب كردستان والمناطق الكردية والأحياء الكردية في داخل سوريا ومدنها.

كما هو معلوم فإن ثورة ١٩تموز قد وصلت إلى النصر بعد صراع وكفاح مرير استمر لعشرات السنين خاصة الشعب الكردي في غرب كردستان وسوريا ضد السلطة البعثية الشوفينية الذي مارس كافة أنواع الظلم والإنكار بحق الشعب الكردي وحاول طمس حقيقته القومية وصهره في بوتقة القومية العربية وفق خطط ومشاريع عنصرية أستهدف الأرض والمجتمع الكردي كمشروع الإحصاء العنصري الذي جرد عشرات الآلاف من الكرد من الجنسية السورية وأصبحوا أجانب على أرضهم وأرض أجدادهم بحيث نهبوا وسلبوا كافة ممتلكاتهم وكذلك طبقوا مخطط الحزام العربي وذلك لافتقار الكرد وإجبارهم على الهجرة من أراضيهم وتجريدهم من كافة الحقوق.

يمكننا اعتبار الذروة في الثورة الشعبية والانتفاضة في غرب كردستان والتي قد تصاعدت بوتيرة عالية مع اندلاع ربيع الثورة للشعوب السورية ضد النظام الديكتاتوري، منذ سنتين ونصف من الآن والتي تستمر بكل حدتها وعنفوانها إلى اللحظة. لقد وصلت الثورة إلى النصر في غرب كردستان من دون انتصارها النهائي في بقية المناطق السورية الأخرى وذلك لأسباب عدة. فالشعب الكردي قد أختار أهداف وسبل ملائمة ومنسجمة مع مصالح الشعب الكردي والشعوب المنتفضة والتواقة للديمقراطية والحرية، واتخذ النهج السلمي الديمقراطي في النضال والبعيد عن الدخول في الصراع الأعمى على السلطة. كما فعلت على النقيض من الجماعات المسلحة المعارضة، واتخذت مصلحة الشعب الكردي وخصوصيته أساساً في النضال والممارسة العملية وطالب بالإدارة الذاتية الديمقراطية والتي أساسها بناء نظام ديمقراطي عصري وشعبي عادل تنال فيه كافة مكونات الشعوب السورية بكل تنوعه الأثني والديني والثقافي لحقوقهم وحريتهم. ولذلك انتصر هذه الخط المحايد والمستقل في مواجهة الخط والنهج السلطوي للحكومة البعثية والمعارضة الإسلامية المسلحة وغير المسلحة التي تهدف السلطة والتي دخلت في خط وطريق مسدود وبدت تعيش حالة من الاختناق والتشرذم نتيجة بتحريفها لنهج الثورة السلمية المقدسة، وكانت من الأسباب المؤدية إلى هذا الوضع عدم قبول الشعوب السورية ورضاها لهذا النهج السلطوي المنحرف عن مطالب الشعب والشارع بحيث وصل الشعب إلى القناعة والثقة بعد تجربتها المريرة خلال سنوات الثورة في طول وعرض الشرق الأوسط بشكل عام وسوريا بشكل خاص. هذا الخط والنهج السلطوي لم تخدم مصالحها وإنما تدخل في منفعة وفائدة الطبقات المتاجرة بدماء الشعوب والسماسرة السياسيين المرتبطين بالخارج. لقد نال الشعب الكردي في غرب كردستان مكتسبات هامة خلال هذه الثورة المقدسة على الصعيد العالمي والإقليمي والمحلي. فقد دخل الكرد بكل قوة في أجندة الأحداث والقوى الإقليمية والعالمية وأصبح لهم دور فاعل ومهم في سوريا بحيث لعبوا دوراً محورياً في رسم صورة المستقبل لتوازنات القوى على الصعيد العالمي والإقليمي. ومن هنا نجد بأن الدبلوماسية الكردية، ورغم عراقيل الدول الإقليمية وبعض القوى الأخرى قد اخترقت الجدار الحديدي وأصبحت تلعب دوراً رئيسياً لتعيين مسار الأحداث والتطورات في المنطقة، إلى جانب أنها تلعب الدور الجوهري لرسم مسار الخط الديمقراطي في ثورات الشعوب الشرق الأوسطية وبشكل خاص القوى الديمقراطية واليسارية للمعارضة الداخلية في سوريا والممثلة بهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي.

وفي الجهة المقابلة نجد أن الدبلوماسية التي تمثلها المعارضة الخارجية الممثلة بالائتلاف الوطني السوري قد دخل الطريق المسدود والعقيم بالرغم من كل الدعم المادي والمعنوي والإعلامي والدبلوماسي من تركيا ودول الخليج والدول الغربية.

إن السياسة الحكيمة التي اتبعها الكرد بطليعة PYD قد أثبتت نجاحها وتفوقها في مواجهة إفلاس سياسة القوى العظمى الغربية والإقليمية كتركيا ودول الخليج والتي حاولت وتحاول بكل قوتها ونفوذها سد الطريق أمام محاولة PYD لتمثيل إرادة الكرد السياسية المستقلة.

وعلى الصعيد الكردي فقد تم الوصول إلى بناء الوحدة الوطنية الكردية بين معظم الأحزاب الكردية في غرب كردستان ممثلة بالهيئة الكردية العليا. وتم بناء المؤسسات الوطنية للدفاع الذاتي والخدمي وكذلك بناء المجالس الشعبية التي تمثل الإرادة الحرة للكرد في كافة مناطق غرب كردستان. وكذلك بدء التعليم باللغة الكردية في العشرات من المدارس بغية هذا الهدف. هذا وتم فتح الدورات الثقافية والشعبية في معظم المدن الكردية والسورية كدمشق وحلب والرقة و المنبج أيضاً.

ومن الجدير بالذكر أنه ترافق مع تحرير المناطق وبناء المؤسسات في غرب كردستان، هجمات سياسية ودبلوماسية وإعلامية معادية تستهدف تشويه هذه المنجزات والمكتسبات التي خلقها الشعب الكردي بجهد وكفاح مريرين. تدار هذه الهجمات التعسفية من قبل الدول المحتلة لكردستان وقوى المعارضة العربية الشوفينية فقد استهدفت هذه القوى والعصابات المسلحة المرتبطة بها، المدن الكردية المحررة كمدينة عفرين وسري كانية كوباني والأحياء الكردية في حلب كالأشرفية والشيخ مقصود والهدف من هذه الهجمات هي العمل على نسفي الاستقرار والأمن وكذلك المنجزات التي حققها الشعب الكردي بدماء المئات من الشهداء وكدح الملايين. وما هذا إلا نتيجة الذهنية الشوفينية والعنصرية التي تتحكم بهذه المعارضة المزيفة وعدم تحملهم بأن يصل الشعب الكردي إلى نيل حقوقه القومية المشروعة. بهذه المناسبة التي يقترب الشعب الكردي خطوة أخرى نحو بناء إدارته الذاتية في غرب كردستان نطالب الشعب الكردي في كافة أجزاء كردستان والخارج وكذلك القوة الثورية والديمقراطية إلى دعم المطالب العادلة وهذه الثورة المباركة والوقوف بكل حزم أمام الخطط التي تستهدف تخريب الاستقرار في غرب كردستان وكذلك مواجهة الحصار الذي تفرضه الدولة التركية والمجموعات المسلحة وحكومة إقليم كردستان العراق والمطالبة برفع هذا الحصار. كما على أبناء شعبنا هناك النضال بكل طاقاتهم لأن مصير الشعب الكردي الآن مرتبط بانتصار هذه الثورة المقدسة في غرب كردستان.