مقالات وأبحاث

الديمقراطية الذاتية ومخاوف الدولة

الديمقراطية تعبر عن اللادولتية. الديمقراطية هي إدارة وحكم الشعب الذي لم يتحول إلى دولة...

 

خبات أندوك

نادى الشعب الكردي المميز بمكانة هامة والمعتبر من أحد أقدم شعوب الشرق الأوسط بالديمقراطية الكونفدرالية منذ نوروز عام 2005. سعى الكرد منذ ذلك الحين وإلى يومنا الراهن إلى تعريفها وتطبيقها في الواقع العملي. واليوم وصل إلى بعد هام في تحويلها إلى ممارسة عملية. لقد نقد قائد الشعب الكردي القوى المناهضة للمجتمع الدولتي انتقادات جدية، وعند تقديمه لهذا النظام الشعبي، حاول بذلك تحذير هذه القوى من عدم الوقوع في نفس الأخطاء والنواقص السابقة. والنقد الهام للقائد في هذا الموضوع هو عدم خلق هذه القوى وسائلهم السياسية والتنظيمية المجتمعية والانحلال في بوتقة النظام الدولتي والتحول إلى مذهب من مذاهبها. تقدم قائد الشعب الكردي بالنظام الكونفدرالي إلى جانب كونه تلبية لضرورة تاريخية، يعتبر مناهضة المداخلة الرأسمالية العالمية للشرق الأوسط واستهداف لتلبية ضرورياته ومطالبه اليومية أيضاً. ينبغي تكوين نظام شعبي لمناهضة النظام الدولتي الذي يمثله اليوم النظام الرأسمالي.

ظهرت انطلاقات مختلفة وشبيه لهذا النظام باسم الشعوب في مراحل تاريخية مختلفة، ولكنها لم تنتصر. كانت نظرية حل القضايا الاجتماعية بالدولة هي الحاكمة في التاريخ، وهذا بدوره ما تسبب في ضعف البحث عن مجتمع بلا دولة أو القيام بعملية التحول الاجتماعي. أفادت الحركات المناهضة للدولة بان الدولة والسلطة تشكلان المصدر الحقيقي لكافة المشاكل والأزمات وحاملة لكافة الخطايا والذنوب، لكن لم ترى حلا  آخر خارج نطاق نهج الدولة. وفي النهاية استهدفوها. وبذلك مهما كانت نياتهم حسنة واستهدفوا الحرية، لكنهم لم يتخلصوا من كونهم القوى الاحتياطية للنظام الدولتي.

النظام الديمقراطي الكونفدرالي هو ادارة الشعب نفسه بنفسه من دون حكم الدولة. عدم التدول هو نظام لحياة اجتماعية قائمة على ارادة الشعوب الحرة. تلد الديمقراطية الكونفدرالية من النظرية التي تتخذ بأن الدولة مصدر لكافة القضايا والمشاكل الاجتماعية، ولا تأخذها اساسا لحل قضايا الشعوب وبأنها لا تمثل المجتمع حتى منذ مراحل تدولها كمبدأ ونظرية اساسية لها. لهذا تعرف الشعوب دوما بأنها خارج الدولة، لأنها لم تكن للشعوب يوما بل لنخبة معينة فقط. تتخذ الديمقراطية الكونفدرالية من المجموعات الخارجة عن الدولة ادارة وحكم وتلبية الشعب احتياجاته بنفسه كنظام في تشكليه. يعتبر هذا النظام مفتاح الحل الحقيقي لكافة قضايا ومشاكل الشعوب. انطلاقا من ذلك يعتبر النظام الكونفدرالي نظام كوني. عند قيام الكرد بإنشاء منظومات المجتمع الكردستاني" كوما جفاكين كردستان" في كردستان كنظام خارج الدولة، أراد بناء ديمقراطية ذاتية وتداولها بنقاشات ومحاورات واسعة النطاق في تركيا لحل القضية الكردية. ترفض الدولة التركية مطالب مؤتمر المجتمع الديمقراطي الذي يمثل قمة ارادة الشعب في شمال كردستان المحتوي على الغالبية الكردية في تحقيق الديمقراطية الذاتية بشدة كبيرة. فعندما يحسبونها كشكل لنظام دولة داخل الدولة، يرفضون هذه المطالب نظرا للحفاظ على بقاء الدولة. فهل تحمل الديمقراطية الذاتية في مضمونها على هذه الحقيقة؟ لماذا ترفضها الدولة التركية بشدة، وهل هذا النظام يخص حل المسألة الكردية في شمال كردستان فقط، أم أنها ذات مضمون كوني ونموذج للحل؟ لماذا هناك الحاجة إلى الديمقراطية الذاتية لحل مشاكل الشعوب مع الدول؟ ينبغي الإجابة على هذه الأسئلة لمعرفة حقيقة هذه القضية والقضايا الأخرى والنقاشات اليومية ولرؤية مدى قوة الديمقراطية الذاتية للحل.

الإدارة الذاتية هي حكم وإدارة الشعوب والأقوام ذوات الهويات والثقافات المختلفة نفسه بنفسه واتخاذ القرار بشأن قضاياه وتحمل مسؤولياته. يتقدم الموضوع التالي عند الحديث عن الديمقراطية الذاتية أو أي حكم ذاتي آخر: إحياء مجتمعين أو أكثر ذات بنية سياسية مختلفة على جغرافيا واحدة. تحيا الذاتية في مكان تواجد الاختلاف والتعددية. ومكان عدم تواجد الاختلاف والتعددية لا علاقة له بالذاتية. يجوز بالإضافة إلى الاختلاف القومي اختلاف ديني وجنسي أيضاً، وقد يريدون أصحاب القوميات والأديان والأجناس المختلفة تنظيم أنفسهم بمستقل عن الآخر أيضاً.

هناك مداخلة امريكية في منطقتنا، وهي قوة عالمية ونظام رأسمالي عالمي. من الواضح بأنه لا يمكن تجاوز المجتمع الدولتي بالحلول القومية. من الضرورة ايجاد حل مشترك لكافة الشعوب ومن ضمنهم الشعب الكردي أيضاً. فبقدر تحقيق الكرد لهذا بإمكانهم أن يلعبوا الدور الريادي في دمقرطة الشرق الأوسط. واليوم يتشكل النظام العالمي على عاتق النضال الموجود في الشرق الأوسط تماما، وفيه يتم تطبيقها على الكرد في البداية. وما التغييرات الحاصلة في السياسة الامريكية - الاسرائيلية إلا استهداف للكرد. وما المؤامرة الدولية ضد قيادتنا إلا جزء من سياستهم هذه. مصير الشرق الأوسط مرتبط بالمواقف المتخذة تجاه الشعب الكردي، أما بناء نظام دولتي أو نظام ديمقراطي كومينالي فهو متوقف على ارادة وموقف الكرد أنفسهم.

يشكل مصطلح الديمقراطية الذاتية دور المفتاح في لب المواضيع التي ذكرناها. وموضوع أساسي لفتح الطريق أمام كونفدرالية الشرق الأوسط، ويلعب دور اللبنة الحقيقية لتوحيده. تنبع مشاكل الشرق الأوسط من الذهنية القومية وما تخلفها من تشتت وتجزئة. جزأت الدول هذه الجغرافيا، وتضررت الشعوب من جراء هذه التجزئة وعادت بالمنفعة للأنظمة الدولتية. السؤال الهام هنا كيف يمكن توحيد الشرق الأوسط وتجاوز الانقسام الحاصل. فلو توحد الشرق الأوسط يمكن تجاوز النظام الدولتي، وطريقها تمر من الديمقراطية الذاتية. فمصير الشرق الأوسط مرتبط بمصير الكرد والعكس صحيح. إن التوجيه الأساسي لقائدنا بهذا الخصوص هو" شرق أوسطي ديمقراطي وكردستان حرة" أما لدول الأجزاء الأربعة" الوطن الديمقراطي، موطن حر". تشكل الديمقراطية الذاتية عامل أساسي لحل بهذا الشكل. يمكن للكرد أن يقيموا طريقة الحل هذه مع الدول التي يعيشون فيها، فلو قبلت تلك الدول واعترفوا بالوجود الكردي وقبلوا النظام الكونفدرالي الكردي، سيخرج مشروع الشرق الأوسط من كونه مشروع بل سيتحول إلى حقيقة حياتية حية. المسألة الحقيقية هي بناء علاقة صحيحة والتقييد بها. يمكننا تعريف الديمقراطية الذاتية بهذا الشكل.

 الديمقراطية الذاتية هي شكل لعلاقة الدولة والديمقراطية الكونفدرالية وحقوقها. كذلك تلعب دور ايجابي بين شكل الدولة والديمقراطية. والاعتراف بحقوق علاقة قوتين مختلفتين في وطن مشترك. من الخطأ القول بأنه لا يوجد بين هذين القوتين" أو أكثر" حدود سياسية، أي توجد حدود الدولة من ناحية وكونفدرالية ديمقراطية من ناحية أخرى. يتميز كلا النظامين بسمات وخصائص واضحة. هناك الحديث عن تداخل النظامين مع بعضهما البعض. هذا يعني بشكل عام بأنه لا يوجد حدود بين هذين النظامين. مثلا، لا يمكننا القول بان هناك دولة في تركيا وكونفدرالية في كردستان. قد توجد مؤسسات الدول في كردستان، وفي نفس الوقت قد توجد مؤسسات كونفدرالية في تركيا. أي يحق للكرد وفي أية مدينة تركية أن يؤسس منظمات سياسية ومؤسسات تعليمية بلغة الأم تحمل ثقافتهم ولونهم في الحياة. ليس بقضاء الواحد على الآخر، بل العيش مع البعض. أي مكان تواجد الدولة توجد الديمقراطية الكونفدرالية أيضاً. وكذلك مكان تواجد الكونفدرالية الديمقراطية هناك مؤسسات دولتية أيضاً. المهم هنا أن يتم إدراك ومعرفة القوتين لبعضهم البعض.

علاقة الديمقراطية الذاتية علاقة نضالية. لا تدل وجود هذين القوتين في مكان واحد على عدم وجود صراع فيما بينهم. هناك صراع كبير فيما بينهم. وجودهم في نفس المكان لا يعني إعجابهم وتطابقهم على كل شيء. فإذا لم تضطر الدول، لا تعترف بحرية هوية الشعوب، لأن الصراع بينهم سيكون لتجاوز أحدهم الآخر، فالنضال سيكون متداخل للمختارين. عند النظر إلى تاريخ الدولة ستظهر أمام ناظرنا هذه الثنائية.

يتشكل مصطلح الديمقراطية الذاتية من الديمقراطية والذاتية. تعرف الذاتية بالاستقلال. تحول مفهوم الذاتية حسبما تستخدمه الأنظمة الدولتية منذ القدم وإلى يومنا الراهن. أي استخدم للذين استلموا المهمات المحلية وأصحاب الصلاحيات في الدولة. أي الدولة + الدولة المحلية، أو الدولة المركزية + ازدياد عدد إداريي الدولة المحلية. شكلا الاثنين من الناحية النوعية وحدة متكاملة ولم يفترقا. يعبر الممثلين المحليين في هذه العلاقة عن جانب الدولة الكبرى" ميكرو". أي إنها الشكل البدائي للدولة، ويمكننا تسميتها بالمرحلة الأولى للتدول. إن العلاقة الذاتية بين الدولة ونظام الكونفدرالية الديمقراطية ليست كذلك. لكي نتعرف على هذا الفرق في العلاقة الذاتية نقول"الديمقراطية الذاتية".

تحمل النوعية الديمقراطية التي تحتويه الذاتية على عدمية التدول أيضاً. فالديمقراطية تعبر عن اللادولتية. الديمقراطية هي ادارة وحكم الشعب الذي لم يتحول إلى دولة. القول لشيء بأنه ديمقراطي أي انه بلا دولة. أي الابتعاد عن كافة الخصائص الدولتية والتحرر منها. ويمكننا توضيح عدمية التدول بهذا الشكل. بلا دولة، تأتي بعدم سلك دربها وبناء منظمات ديمقراطية لكافة الشعوب التي تحيى خارج الدولة تحت سقف نظام كونفدرالي ديمقراطي. الكونفدرالية هي عدم التحول إلى بعد أو استمرارية الدولة المحلية، وإن العلاقة التي تقيمها مع الدولة ليست بعلاقة "الدولة + الدولة المحلية". قد يعقد النظام الكونفدرالي علاقة مع الدولة ولكن ينبغي أن لا تحتوي على الذاتية الدولتية بالكامل. فوجود علاقة الكونفدرالية مع الدولة لا تحولها إلى جزء من الدولة أو متتبعها. من الخطأ تقييم الديمقراطية الذاتية بأنها تتبع للدولة أو المرحلة الأولى للطريق المؤدي إلى التدول. الديمقراطية الذاتية ليست اتباع طريق الدولة أو إحدى مراحل وصولها.

عند الحديث عن الديمقراطية الذاتية من الأهمية إدراك مغزى جملة "عدم التدول". لعقد علاقة صحيحة ما بين الدولة والكونفدرالية الديمقراطية نعرف الدولة + الديمقراطية وليست الدولة + الدولة المحلية، لأنهما نظاميين لا يحملان نفس النوعية والمفهوم. وكذلك تعبر الديمقراطية الذاتية عن عدم تعرض الدولة للشعب الذي يعيش خارجها وينظم ويدير نفسه بشكل حر. يمكننا باختصار تعريف علاقة الديمقراطية الذاتية بهذا الشكل. والأصح إنها علاقة تدعو إلى تيقظ الدولة للديمقراطية. حسب طبيعة الدولة لا يمكن لها أن تكون ديمقراطية، ولكن بإمكانها أن تكون يقظة تجاهها. يمكن لنضال الشعوب أن تجبر الدولة إلى التيقظ نحو الديمقراطية، وغير ذلك لا يمكن لها أن تقوم بشيء آخر. إن المفهوم الداعي بأن الدولة ستأتي بالديمقراطية وبها ستؤدي إلى الاشتراكية كانت من أكثر المفاهيم التي أرهقت الشعوب وألحقتها الهزيمة. علينا أن نكون واضحين من هذه الناحية. لو لم نكن متأكدين من ذلك، قد نفهم مصطلح الذاتية بشكل خاطئ. إن مصطلح الذاتية هو عدم الانقطاع عن الدولة بشكل كامل. هذا التقييم يؤدي إلى المفهوم التالي: لو كانت الكونفدرالية الديمقراطية تنظيم لا تستهدف التدول، وتعبر عن الانفصال عن الدولة فكيف للعلاقة الذاتية أن تتخلف عن الدولة؟ لو تم معرفة الذاتية مثل الذاتية الدولتية فأن العلاقة القائمة فيما بينهم ستكون على أساس الدولة أو إنها ستتحول إلى جزء منها. وكذلك سيفهم بأنها قوة احتياطية للدولة. يجب عدم الخلط ما بين الديمقراطية الذاتية ومفهوم الدولة للكونفدرالية الديمقراطية التي أنشأتها وتديرها بنفسها. مثلما ذكرنا أعلاه، عقد علاقة ذاتية مع الدولة لا يعني التحول إلى جزء منها أو آلة لحمايتها. وتقييم كهذا لا يخلو من الخطأ. الحل المقصود ليست الذاتية بل الديمقراطية الذاتية. من الأهمية استخدام المصطلحات في مكانها المناسب وحسب مضمونها.

بشكل عام يتم تعريف الذاتية باستقلال المحلية عن المركز. أن هذا التعريف ليس بتعريف خاطئ، وعندما تتحدث الدولة عن هذا التعريف تفيد بمعنى من المعاني، ولكن عندما يأتي الحديث عن الديمقراطية الذاتية يبقى هذا التعريف ناقصا. لو تم اتخاذ الديمقراطية الذاتية ضمن إطار العلاقة مع المركز والمحيط، سيبقى ناقصا ولا يمكن معرفتها وفهمها، وسيفهم بأن المركز هي الدولة والكونفدرالية الديمقراطية هي المحيط. فهل هي هكذا في حقيقتها؟ فلو كان النظام الكونفدرالي نخبة حول الدولة، فكيف يمكننا تعريف ديمقراطيتها؟ لا يمكننا تعريفها بالطبع، لأن هذا هو خطأ الذين أسسوا علاقة المركز والمحيط.

لكافة الأنظمة علاقة المحيط والمركز حسب مفهومها في بنيتها الداخلية. ويسمون المحيط بالمحلية بشكل عام. المحلية حسب الأنظمة الدولتية تابعة للمركز. حتى لو تبينت ظاهريا بأنها مستقلة لكنها لم تتجاوز الذهنية الدولتية في المضمون. تشكل الدول الأكثر مركزية أزمات ومشاكل بسبب بنيتها الغير نشيطة. لحل هذه المشاكل ينبغي إعطاء الصلاحيات للمراكز المحلية في بعض الأماكن. حتى لو بدت خطوة ديمقراطية في الوهلة الأولى ولكن لا تتجاوز كونها تطيل من عمر الدولة ولا شيء آخر سوى ذلك. مادامت الديمقراطية الحقيقية لا تقبل الدولة، لا يمكن للإدارات المحلية هذه أن تكون ديمقراطية أيضاً.

للكونفدرالية الديمقراطية مركز وعلاقات محلية. المركزية الموجودة في النظام الكونفدرالي ليست مثل المركزية الدولتية. المركزية الموجودة في الكونفدرالية على شكل منسقية مركزية. إنها مراكز لتطبيق القرارات الصادرة من القاعدة وتنسيقها. في المجتمع الدولتي المركزية هي الأساس والمركزية المحلية تتبعها، أما في النظام الكونفدرالي المحلية هي الأساس. بقدر ما تتوافق المركز مع المحلية فستكون قوية وذات مغزى.

كما وضحنا بأن كل نظام يعقد علاقاته المركزية والمحلية في بنيته الداخلية. لكن لا يمكن بناء علاقة من هذه النوعية بين الدولة والنظام الكونفدرالي الديمقراطي، لأن هذين النظامين قوتين سياسيتين اجتماعيتين مختلفتين على نفس الجغرافيا. لا يمكن لإحداها أن تكون مركزية والأخرى محلية. ففي النظام الكونفدرالي هناك مجلس الحي ويشكل المركز في نفس الوقت ومن بعده يأتي مجلس الولاية ومن ثم مجلس الايالة وفي النهاية يأتي مجلس الشعب. يجوز المشاركة في بعض المواضيع والمهمات بين الدولة والنظام الكونفدرالي. وعلى سبيل المثال مهمة الحفاظ على أمن الدولة داخليا وخارجيا. ومشاركة هذه المهمة نتيجة لضرورة حتمية. عند وجود المشاركة في مهمة كهذه لا يمكن القول بأن الدولة هي المركز والكونفدرالية هي المحيط. النظام الكونفدرالي نظام يعتمد على القوة والكفاية الذاتية، لذا فهو مضطر أن يكون قويا في كافة المجالات. عند القول بأن الدولة مسؤولة عن الأمن الخارجي والداخلي، يجب أن يكون هناك قوة دفاعية ذاتية للشعب أيضاً. وكذلك يجب أن يقوي الشعب نفسه في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكافة الميادين الأخرى أيضاً، والاعتماد على القوة الذاتية. أي إنها تستهدف عدمية التدول يوم بعد آخر. لذا يجب عدم الإختلاط ما بين مصطلح الديمقراطية الذاتية والتعاريف الأخرى للذاتية. ان مصطلح الديمقراطية الذاتية مصطلح ذات معنى ونموذج جديد. حتى وإن لم يكن مطالب الكرد جديد في هذا الخصوص، فأن النظام الاجتماعي الذي يأخذه الكرد أساسا له جديد لإقامة ديمقراطية ذاتية وعلاقتها مع الدولة. ونوعيتها كما ذكرنا آنفا بأنها مختلفة عن مفهوم الدولة للذاتية.

تمر الديمقراطية الذاتية من الاعتراف بأهم حقوق الكرد  ودمقرطة الدول الحاكمة. والاعتراف بحقوق كافة الهويات والأجناس والأقليات المختلفة وإزالة كافة العوائق الموجودة أمام المطالبة بحقوقهم. وتحقيق كل هذا سيتم في وطن ديمقراطي. عند الحديث عن حقوق الكرد، كيف يتم تقييم الديمقراطية الذاتية؟. يمكننا القول بأن هناك علاقة ديمقراطية ذاتية بين الكرد وتركيا ضمن تركيا ديمقراطية إن اعترفت بالهوية القومية الكردية، ووضعتها تحت الضمان الدستوري واعترفت بالحقوق الوطنية والديمقراطية الاساسية كالتعليم بلغة الأم، حرية الثقافة، حرية الفكر، ممارسة السياسة بالهوية الكردية وتنظيمها بحرية. وهذا الديالكيتيك يخص الدول الحاكمة والكرد الموجودين في الأجزاء الكردستانية الأخرى أيضاً. والموضوع الآخر والهام في تكوين هذه العلاقة هو قبول النظام الكونفدرالي الديمقراطي كأساس في تنظيم الشعب الكردي من الناحية السياسية والاجتماعية واعتبارها ارادة الشعب الكردي. واعتمادا على ذلك ينبغي للشعب أن يبني مجالسه من ضمن المجالس المحلية وحتى العامة ويدير نفسه بنفسه. مثلما فهمنا من هذا فأن الديمقراطية الذاتية هي الاعتراف بكافة الأقليات الأخرى والعيش بهويتهم الحرة، والحفاظ على خصوصياتهم والحصول على حريتهم. خاصة ينبغي أن نشير إلى موضوع آخر في هذا الخصوص وهو وجوب الاعتراف بالحقوق الكردية، ولكن هذه الحقوق لا تتضمن الحقوق الثقافية والشخصية فحسب، لأن قبول الحقوق الثقافية يعني "احيا بثقافتك ولكن لا تمارس السياسة ولا تحكم نفسك، نحن سنديرك". لذا لا يمكن التراجع عن الحقوق السياسية مثل الحقوق الثقافية. لا يمكن للشعب أن لا يؤسس منظماته ومؤسساته ويبين سياسته ويمارسها في المجال العملي، أي باختصار أن لا يدير نفسه بنفسه. أما بخصوص الحقوق الشخصية فأنها تحتل مكانة هامة في النقاشات وفي مراحل معينة. الحقوق الشخصية هي وسيلة من وسائل حكم الحضارة الدولتية الغربية لتشتيت المجتمع وتجزئته. عند قيامه بهذه التجزئة يكسب مشروعيته من خلال القول "إنني أعطي الحقوق الفردية" ويخلق ذهنية تحكمية. لا يتلاءم التقرب على أسس الحقوق الفردية مع العلم ولا مع الوجود الاجتماعي. إنه تقرب سلطوي، لذا لا يحتوي على أية معاني جدية لحل القضايا الاجتماعية، ولا يعبر لوحده عن أية معاني مفيدة. قد يكون ذات معنى إذا كان هناك اعتراف بالحقوق الاجتماعية. مثلما عبرنا عنه فأنه لا يحمل أية قيمة حلولية للقضايا بمفرده. يمكن تحقيق الديمقراطية الذاتية من خلال وصول المجتمع إلى كافة الحقوق التي تحوله إلى مجتمع. والحقوق هي التي ذكرناه أعلاه.

هنا ينبغي أن نشير بأن الديمقراطية الذاتية قضية ذهنية قبل كل شيء. فلو لم يتم التغيير من الناحية الذهنية لا يمكن أن تحدث أية تغييرات أخرى. والإشارة إلى هذا الموضوع نابع من السبب التالي: عند الحديث عن الديمقراطية الذاتية تأتي البنية الادارية إلى الذاكرة. بالتالي فالبنية الادارية لوحدها لا تكفي لإيجاد الحلول. حتى لو تم بناء أكثر البنيات الادارية دمقرطة، فأنها لا تستطيع العمل من دون وجود الانسان القادر على ادارتها. وبالتالي فأن لم تتغير الذهنية لا يمكن تطوير هذا الحل. فلو تم اتخاذها بفرز اداري فقط فأنها لا تعني شيء سوى مشاركة مقام الدولة فقط. كذلك لا تفتح الطريق في النهاية سوى تشبيه الدولة أو نموذج منها ولا شيء آخر سوى ذلك. خير مثال على ذلك الهزيمة التي عاشتها الاشتراكية المشيدة التي حاولت أن تخلق نموذج للانسان. لا يمكن ايجاد الحلول للقضايا من دون تغيير الذهنية وظهور حقيقة الانسان على الساحة. لو تم تغيير في الذهنية فأنها ستعكس بشكل طبيعي على المجال الاداري أيضاً. عندما نقول التغيير في الذهنية لا نهمل التغييرات الواجبة حدوثها في البنية الادارية. فالبنية الادارية لها تأثير هام. أي ينبغي التغيير من الجانبين بشكل متداخل مع بعضهم.

الحدود السياسية موضوع هام كذات أهمية المواضيع الأخرى في نفس الوقت. تحمل الذهنية أهمية كبيرة لتحقيق حرية المجتمع وليست الحدود السياسة أو البنية الادارية. أي يمكن تحقيق الديمقراطية الذاتية ضمن الادارة الواحدة أو نظام الايالات أو الأنظمة المنطقية الأخرى. فالمهم هنا هو الاعتراف بالهويات المختلفة الأخرى وحرية ممارسة حقوقهم الحياتية. وبعد تحقيق ذلك يبقى القرار لهم في كيفية تنظيمها واحيائها. لا تحمل الديمقراطية الذاتية الانقسام والتجزئة الجغرافية كحل في جوهرها. مهما كانت نوعية البنية الادارية فأن الديمقراطية الذاتية هي الاعتراف بهوية وحقوق كافة الأثنيات والأقليات أي التعليم بلغة الأم، حرية الثقافة، حرية الفكر والتعبير، وممارسة السياسة بحرية، أي يمكننا تعريفها كعلاقة سياسية وحقوقية. هناك أمثلة حية من نوعية هذه العلاقة في بنية حكم النظام الاداري الواحد، مثل فرنسا واسبانيا. بدأ في يومنا الراهن تجاوز المفاهيم الداعية إلى قومية واحدة، لغة واحدة وعلم واحد. أي بإمكان أكثر من ثقافة وهوية ولغة أن تعبر عن ذاتها وبحرية على جغرافيا واحدة واحياء ثقافتهم وتطويرها، أي بإمكانهم تكوين منظماتهم الادارية وادارتها بأنفسهم. بدأت الادارات أصحاب الحكم الواحد بتجاوز المفهوم الكلاسيكي للحكم الواحد في يومنا الراهن. تعيش الإدارات ذوات النظام الوحدوي المكتوبة على الورق ولكنها متشتتة من الناحية العملية ومنظمة على شكل أقسام متعددة وتحول هذا إلى عملية حاكمة في يومنا الراهن. لفهم موضوعنا بشكل أكثر من المفيد شرح مصطلح النظام الواحد.

مثلما هو معروف تعرف حكم النظام الواحد بظاهرتين. الأولى وحدة الأرض. أي وحدة الجغرافيا. والثانية مركزية البنية الادارية، ومعها ظهرت القومية الواحدة، العلم الواحد واللغة  الواحدة. أي هناك علم واحد ولغة وقومية واحدة على جغرافيا واحدة، وما عداها لا يعترف بالقوميات والأديان والأجناس واللغات المختلفة الأخرى، حاول هذا النظام اذابتهم وانصهارهم ضمن اطار المفهوم الواحد، وعندما وجد بأنها ستشكل تهديدا وخطرا عليه، أعدتهم من المعدمين بلا وجود. لم يكتف بذلك، عند انصهار الأقليات أو القوميات أو الأجناس الأخرى لم يعطي لهم المجال لممارسة السياسة أيضاً. يمكننا تسمية الهوية الايديولوجية لهذا الصهر بالقومية، وتنظيمها السياسي بالدولة القومية. مثلما لا تقبل القومية الهويات المختلفة الأخرى فأن البنية الادارية لموديل الدولة القومية لا تسمح بحرية الهويات الأخرى أو تنظيمها أيضا. لذا فأن حكم النظام الواحد لا يتناسب مع ظروفنا الاجتماعية الحالية. حينما نقول يمكن للديمقراطية الذاتية أن تأخذ مكانتها في الدولة الواحدة، كيف يمكننا فهمها؟ مثلما هو معلوم إن الحلول الذي يطرحه الشعب الكردي حلول يشمل الشرق الأوسط أيضاً. بالتالي مثلما بينا آنفا إنها باتجاه الوحدة الكاملة، ولا تحتوي على الانقسام أو التجزئة الجغرافية. فالكرد إلى جانب وحدة الأرض. أي لا يوجد مفهوم الانقسام والتجزئة الجغرافية. من جانب آخر فأن التقرب الفردي " الوحدوي" للنظام المركزي الواحد لا يتلائم مع ظروف العصر ويتسبب في خلق مشاكل وأزمات كبيرة ولا يمكن القبول به. بامكان الكثير من الهويات أن تكون لها بنية ادارية تدير نفسها ضمن اطار وحدة الأرض. علينا ادراك الديمقراطية الذاتية في بنية النظام المركزي الواحد بهذه الطريقة عند الحديث عنها. أي يجب حماية وحدة الأرض ولكن على الهويات المختلفة أيضاً أن تنظم نفسها من الناحية الادارية. هنا تظهر وحدة الأرض في بنية النظام الواحد. ويمكننا تسميتها بـ "جغرافيا واحدة وتعددية الادارات". كذلك بالاستناد على ذلك ينبغي للهويات والأجناس المختلفة التعليم بلغتهم ومكان تواجد الأكثرية السكانية منهم يجب قبول لغتهم كلغة رسمية في البلاد وقبول رسمية كافة اللغات الأخرى. بالاضافة يمكن تقييم هذا الوضع حسب ظروف وشروط البلاد. أي المهم هنا تجاوز مفهوم اللغة الواحدة واعطاء الحرية للأقليات والهويات المختلفة الأخرى للتعبير عن نفسهم بلغتهم. وهذا مهم بالنسبة للقومية الواحدة والمواطنة الواحدة والعلم الواحد أيضاً. فمثلا في تركيا الكل ليسوا مجبرين على أن يكونوا اتراك، أو لا يمكن القول لكل مواطن يعيش في تركيا بأنه تركي. أن ظاهرتي الهوية الأثنية والمواطنة ظاهرتين مختلفتين عن بعضهما البعض. المواطنة علاقة سياسية مع الدولة، وبمكان الذين يعيشون على نفس الجغرافيا وأصحاب هويات مختلفة أن يكونوا مواطنين فيها، لكن عليهم أن  يحافظوا على هويتهم القومية أيضاً والمواطنة باسم هذا الوطن. مثلا الكرد الموجودين في تركيا مواطني تركيا ولكن الكردية هي هويتهم الوطنية. وهذا يخص العلم أيضاً. لكل قومية أو هوية علم يمثله. وهذه المسالة كاللغة تماما. يجوز وجود علم واحد يمثل كافة البلاد، وبامكان كافة الهويات المختلفة الأخرى أن تستخدم علمها والوانها. المهم هنا الاعتراف بالهويات المختلفة الأخرى. وبعد الاعتراف بذلك يمكن النقاش على صيغتها. أي باختصار يمكن للديمقراطية الذاتية أن تشكل حلا في بنية النظام الواحد. أي بامكان كافة الأقليات والأقوام المختلفة أن تنظم وتبني مجالسها وتدير نفسها بنفسها ضمن جغرافيا مشتركة واحدة. ذكر القائد " آبو" بهذا الخصوص: " دولة واحدة وديمقراطييتين". أي بامكان الشعب الكردي والتركي والعربي والفارسي أن ينشأووا منظماتهم ويديروها  بأنفسهم  إلى جانب الدولة الموجودة. أي سيتواجد من الناحية الادارية ثلاث ادارات على نفس الجغرافيا. والادارات الثلاثة على علاقة وصراع فيما بينهم.

على الدولة القبول بهذا النوع من العلاقة لإظهار الديمقراطية الذاتية. لو كانت الدولة يقظة ومنفتحة للديمقراطية، سيظهر هذا النوع من العلاقة ومن دون اعتراف الدولة بهذا لا يمكنها الظهور على الساحة. أي أن الديمقراطية الذاتية تعتمد على قبول متبادل بين الطرفين. هناك قوتين وارادة في الساحة. مهما كانت نوعية المشاكل الموجودة بين هذين القوتين أو أيهما على حق لو وجدوا هذه النوعية من العلاقة حلا لهم ينبغي عليهم الالتقاء في نقطة واحدة ومشتركة. لتكوين علاقة قائمة على الديمقراطية الذاتية على الدولة أن تقبل نوعية هذه العلاقة. قبول الدول بنوعية هذه العلاقة تعني قبولها بالحقوق التي تم ذكره آنفا. وهذا سيؤدي إلى احياء الدولة + الديمقراطية. لكن لو لم تقبل الدولة التركية علاقة بهذا الشكل واستمرت في سياسة الإمحاء والإنكار كالسابق، فأنها ستصعب وتعقد الحل، وبالتالي ستؤدي إلى خيارات لحلول أخرى مختلفة