نظام الحقوق الموجود هو نظامٌ مبنيٌ أساساً على تشريع الإبادات والمجازر العرقية الممارسة بحق الكرد...
شيار كوجكري
الأكراد يبحثون عن العدالة. هناك صلة قريبة فيما بين المكانة التي يتحلى بها الكرد في راهننا، ومفهوم العدالة الذي واجهوه على مر التاريخ. مرحلة التحقيق، والإدانة والعقاب الذي واجهه الشعب الكردي يفيد موجز الحقوق المتبعة بحقه. إننا نتحدث عن مجتمعٍ تم فيه قلبُ وعي الحقوق رأساً على عقب. شعور الخوف من التعرض للظلم واللاحقوقية هو شعور منتشر لدى الأكراد. وواضحٌ بأن السبب في ذلك هو كونهم لا يدخلون ضمن نطاق الحقوق حتى بأقل المستويات. تقف كل الحقوق عن الإجراء عندما يكون الشعب الكردي موضوع الحديث. والمعنى الآخر لذلك هو ترك وإجبار الشعب الكردي على العيش بلا حقوقٍ ومكانةٍ سياسية.
المجتمعات التي تفقد جوهرها الأخلاقي تخرج من كونها مجتمعاً. لذلك فإن الحقوق التي لا توجد لها صلة بالأخلاق لا توجد لها شرعية. يمكن أن تحمل الحقوق الشرعية الاجتماعية فقط عندما تكون على توائم وتناغم مع الأخلاق الاجتماعية.
الأخلاق هي القوة التي تؤمن العدالة في المجتمع. لأن الأخلاق هي الوجدان الجماعي للمجتمع. المجتمعُ موجودٌ بالأخلاق. في الوقت الذي يمثل فيه الارتباط بالمجتمع الأخلاق الحميدة، فإن الابتعاد والانقطاع عن المجتمع يخالف وقيم المجتمع و يعبر عن الأخلاق السيئة.
تتلقى الأخلاق المجتمعية أول ضربةٍ كبيرة مع تنظيم الرجل الماكر والظالم لذاته على شكل دولة. بحيث إن الانقسام الطبقي الحاصل على شكل ثنائية العبد- الحاكم يقوم في الوقت ذاته بتقسيم وتجزئة الأخلاق التي تشكل أسس المجتمع أيضاً.
ومنه فإن الحقوق تظهر نتيجة هذا الانقسام. وتسعى لتبني مكانة الأخلاق في المجتمع. الحقوق الوضعية كقانون ومؤسسة وقوة سياسية دائمة هي الدولة الجامدة والمكتسبة للاستقرار. مهمتها الأساسية حماية وضعها الحالي، وتأمين إيصالها إلى وضع أو سوية تصبح فيه مقبولة من قبل الجميع وجعلها محصنة. وبذلك تكون قد أمنت المشروعية للهيمنة والاستبداد والظلم ونظامه الموجود في الوقت ذاته.
تحولت الحقوق الوضعية التي تحمل مُهر القوة الحاكمة إلى قوة سلطوية على أساس التفسخ والانحلال الأخلاقي. فإن لم يتم التَّقويمَ وإنشاء بنية حقوق تكون فيها الأخلاق أساساً، ستبقى الحقوق تحت خدمة السلطة. وستلعب دوراً مخرباً للعدالة لا بانياً لها.
فحتى ولو كانت الحقوق منظمة من قبل الفلسفة الدولتية، إلا أنها غير منقطعة عن الأخلاق تماماً. ولا يمكنها الانقطاع. لأنها من دون ذلك لن يكون لها أية قوة تأثير. لقد عرفت الأخلاق من خلال نضال ومقاومة الحضارة الديمقراطية أن تأخذ مكانها ضمن الحقوق وتجعلها موالية للعدالة الاجتماعية. هكذا ظهر المبدأ الاجتماعي وعملياته الذي يدعى " الحقوق الكونية". تحتوي الحقوق الكونية الحقوق المقدسة التي تم اكتسابها باسم المجتمع. بدأ نظام الحقوق في العالم إظهار التطور ضمن هذا السياق بشكل أكثر مع مرور الزمن.
ولكن علاقة الكرد مع الحقوق اتخذت سيراً مخالفاً تماماً. لم يتمكن الكرد من الاستفادة حتى من الحقوق الدولتية. لأن الدول الاستعمارية لم تتوان حسبما تقضي الحاجة حتى من وضع حقوقهم تحت أقدامهم. إذ لم تطبق الحقوق حتى بأكثر حالاتها رجعية عندما كان الكرد يصبحون موضوع الحديث. وما كان يطبق وبلا حدود بدلاً عن ذلك، هو اضطهاد واستبداد الدول القومية المستعمرة.
تطور نضال الشعب الكردي ضد هذا الظلم والاضطهاد البعيد كل البعد عن الأخلاق والوجدان الإنساني. الحقوق التي تم رؤيتها مناسبة ومشروعة للكرد هي حقوق صدام، حقوق 12 أيلول، حقوق البعث وحقوق الشيعة القوموية. الميزة المشتركة لهذه الحقوق هي إنكارها للكرد واستهدافها لتصفيتهم وإبادتهم. فهي مبنية أساساً على تشريع الإبادات والمجازر العرقية الممارسة بحق الكرد.
لم يرى الكرد أية إمكانية لتنظيم ذاتهم والتعبير عن ذاتهم ضمن هذه الحقوق، لذلك فقد أدركوا مبكراً بأن البحث عن الحق ضمن سياق حقوق الاستعمار العرقية والفاشية والكيفية هو أمراٌ بلا معنى.
ضمن هذا الإطار فإنه يجب فهم متابعة واستمرار الشعب الكردي نضاله في البحث عن العدالة على أساس الدفاع المشروع بشكل جيد. يتوجب على الذين يدعون الكرد للنضال ضمن الحدود الحقوقية أن يأخذوا بعين الاعتبار مدى ملائمة الحقوق التي يتحدثون عنها ومبادئ الحقوق الكونية. النظام الحقوقي الذي يغلق الميادين والساحات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية بوجه الشعب الكردي، والذي لا يقبل بأي حق له في الحياة- ما عدا قبوله للهوية الرسمية المبينة له من قبل الدولة- القومية الاستعمارية-هو نظام الموت والظلم بالنسبة للكرد. لهذا السبب فقد تابع الكرد نضالهم في البحث عن حقوقهم ضمن المبادئ والقيم الإنسانية الأكثر مشروعيةُ، وليس ضمن الحقوق الرسمية. هذه ضرورة من ضرورات ارتباطهم بتاريخهم ووطنهم وثقافتهم وهوياتهم. وسيستمر ذلك من الآن فصاعداً أيضاً. كما سيقوم الكرد بممارسة نضالٍ مريرٍ لأجل تكوين نظام ومسودات حقوق تقبل هويتهم ووطنهم ولا تحد من حقوقهم المشروعة. سينادي الشعب الكردي في كل مكان لأجل العدالة والمساواة. ولن يقف ويتراجع ولو للحظة عن تطوير تنظيمه وعملياته بهذا الشأن البتة. لأن الإصرار في البحث عن الحقيقة يعني حماية الحرية وطلب العدالة.
يتبع...