المؤامرات الدولية لا توقف التطورات، بل تسرعها...
رستم جيجك
يشكل/9/ تشرين الأول نقطة تحول في نضال PKK، وبوسعنا تقييمه على انه ذروة الهجمات التي شنت ضدPKK، حيث هاجمت فيه كل من قوى الرجعية الدولية والمنطقة، النضال التحرري الديمقراطي الكردي. وإذا ما تم دارسة التاريخ بصورة دقيقة، سيتضح لنا انه من النادر مصادفة مؤامرة شاملة دبرت على قائد سياسي وإيديولوجي كتلك التي دبرت ضد قيادة PKK. إضافة الى ذلك فقد شاركت اكبر القوى العالمية فيها. ولهذا الوضع صلة وثيقة بموقع قيادة الحركة وإدارتها والنضال المحقق الذي بدوره يشكل هدفاً مباشراً للمؤامرة. كما ان احد أهم أسباب هذه المؤامرة هو تأثير نضال PKK على الشرق الأوسط الذي يشكل موقعاً هاماً في التوازنات العالمية. بناء على كل ما ذكرناه من الأسباب فقد اكتسبت المؤامرة بعداً شاملاً وأصرت في المواصلة.
لماذا بلغت مؤامرة /9/ تشرين الأول هذا المستوى..؟ لنتمكن من إدراك ذلك، من الجدير إدراك حقيقة ظهور القائد APO وPKK.
لقد اصطدم PKK منذ بداية انطلاقته، بعداوة كبيرة ومساعي استهدفت إجهاضه قبل الولادة، ليس من قبل القوى العدوانية وحسب بل من قبل القوى التي ينبغي ان تكون قوى صديقة له. فلم تقبل أياً من القوى السياسية او اليسار التركي او الكردي بالحركة الآبوجية.
لماذا لم يتم قبوله..؟ في الوقت الذي كانت الحركة الآبوجية صغيرة الحجم ومؤلفة من عدد ضئيل، قام الاستعمار التركي واليسار الكردي و التركي بأنشطته المعادية لها. حيث كان حجم المواجهة المعادية والمضادة، بحجم ومساحة حركتنا، وبما ان بوادر الحركة لم تكن قد اكتسبت أبعاداً شاملة بعد، فان مواجهتها مع القوى الدولية ايضاً لم تكن من الأمور الواردة. لماذا احتلت كل من مجموعات اليسار التركي والكردي مكانتها في الجبهة المضادة، رغم شعاراتها وادعاءاتها الاشتراكية..؟ لأنها كانت على دراية بتعرضها للانحلال مع تقدم الحركة الآبوجية. فظهور PKK امر يخالفها، وان هذه الحركة السياسية ستسد مجالات توسعها السياسي والإيديولوجي. لهذه الأسباب لم تحبذ PKK، واختارت السبل المؤدية الى تصفيته والحد من تأثيره. وبتعبير آخر يعتبر الرفض من أولى المواقف المتخذة ضد الحركة الآبوجية.
من المحتمل ان المؤامرة الدولية كانت ذات أبعاد مختلفة ومغايرة، إلا ان الموقف الذي اتخذه اليسار التركي والكردي، كان راميا إلى تصفية الحركة والحد من تأثيرها. وكما ظهر لنا اثناء المؤامرة، فان كافة الأنظمة القائمة في العالم والمنطقة، لا سيما أنظمة القوى اليسارية كذلك المدعين بالكردية، قد واجهوا الحركة الآبوجية وقائدها ونضالها، وسعوا الى تصفيتها وإزالتها من الوجود عبر حبك المؤامرات.
لقد تعرض كافة القادة ولاسيما الذين أرادوا هدم النظام وتغييره إيديولوجيا، للمؤامرات على مر التاريخ وهذا ما تعرض له الأنبياء ايضاً فيما إذا اعتبرناهم قادة سياسيين يغيرون النظام. كذلك فان القادة السياسيين العظام الذين لم يسعوا الى تغيير النظام القائم على الصعيد السياسي وحسب بل على صعيد الفكر والحياة ايضاً، تعرضوا لتصفيات مختلفة. وفيما لو كان القائد آبو مجرد قائد سياسي يخوض نضالا سياسيا، لما تعرض لمؤامرة كهذه.
من هذا المنطلق عندما ندرس تاريخ المؤامرة نجد ان PKK قد تعرض للمؤامرات منذ بداية انطلاقته، حيث سعوا منذ البداية لتهميش حركة التحرر الكردي، ولم يكتفوا بالتصدي لها بل أرادوا القضاء عليها تماماً. فالمؤامرة المدبرة للرفيق حقي قرار لم تكن مجرد جريمة ومؤامرة مستهدفة شخصه او احد أعضاء الحركة السياسية فحسب، بل استهدفت من خلالها القضاء على الحركة الآبوجية والحد من تأثيرها. كما ان أنشطة الدعاية والتحريض المضادة التي مارسها اليسار الكردي والتركي ما هي الا بهدف تصفية الحركة وإزالتها من الوجود وبتعبير اصح ان أولى اكبر النضالات تم خوضها من خلال هذه المجموعات التي شرعت بأنشطة تصفية الحركة كلياً بدءاً من عام /79/. حيث تناول كل من الأحزاب UDGـ KUKـ DDKD وطريق الحرية، تطور وتقدم حركة PKK بمثابة تصفية لهم، وهذا تثبيت صائب، لان PKK يسد مجالات الحياة أمام الحركات المزيفة تلك؛ أي يستحيل عليهم إيجاد فرص الحياة داخل الثقافة والأخلاق والعلاقات السياسية التي رسخها PKK ، بيد انه ونظرا لتشابه أوجه نظر الحركات الأخرى على الصعيد الإيديولوجي والسياسي والاجتماعي والتاريخي والمتعلقة منها بالمستقبل، فقد كانوا يمنحون فرص وإمكانات الحياة للتنظيمات الأخرى في كل مكان يتواجدون فيه. أما الأمر فيختلف بالنسبة للمناطق التي يتواجد فيها PKK ، وهذا ليس نابعاً من ممارسة PKK للعنف كما يقال، بل من تطوير PKK للمشروع السياسي والاجتماعي والفكري ولنظام جديد. هذه الحقيقة أدت إلى تعرض PKK والقائد APO للمؤامرات منذ الانطلاقة الأولى. من هذا المنطلق سيكون من الصواب تقييم نضالنا المحقق لغاية عام /1980/ ـ مع اخذ تلك الظروف بعين الاعتبارـ على انه نضال لإفشال المؤامرة.
ومع وصول حركة PKK الى عام 79-80، أضحى تصفيتها على الصعيد الإيديولوجي امرأ مستحيلاً عبر عمليات صغيرة الحجم، وبناء على ذلك فقد تعرضت لهجمات عنيفة وخاصة في عام 1980.
ما ذكرنا أعلاه ساري المفعول بالنسبة للدولة التركية ايضاً، فقد نفذت ضربة 12 أيلول التي استهدفت اقتلاع جذورPKK، في حين سعت الى تصفية الحركات الأخرى وتهميشها. وما اتبعه النظام التركي من أساليب في مرحلة/12/ كان بهدف الحد من تأثير الحركة سواء أكان في السجون او في كردستان. كما اتبعت القوى الدولية نفس الشيء تجاه PKK والكرد ،وبتعبير آخر ان بقاء القوى الدولية دون موقف إزاء الأساليب المتبعة ليس الا تأييداً لها.
حتى نتمكن من تناول حقيقة المؤامرة من المفروض تناول حقيقة PKK على الصعيدين الإيديولوجي والسياسي، وإلا فمن المستحيل معرفة حقيقة المؤامرة . فالمؤامرة التي دبرت باتفاق القوى الدولية لم يكن ناتجا عن كوننا حركة سياسية مضادة لبعض القوى، وإنما مرتبط تماماً بنظام وإيديولوجية PKK وقائده.
بانسحاب الحركة الى خارج الوطن في بداية الثمانينات، كان معظم المنضمون إليها هم ممن قدموا من تلك الأنظمة السائدة المعادية لـ PKK، بالتالي لم يحبذ العديد من الشخصيات المنضمة لنا، حركتنا بل سعت للحد من تأثيرها، كما و ظهرت تيارات تفرض الحياة القديمة والسير بنمط الفكر السياسي التابع للنظام الكلاسيكي. فنهج التصفوية والمكيدة التي ظهرت ما هو الا تعبير عن عدم قبول نظامنا، على سبيل المثال ان التصفوي سمير وأمثاله لم يقبلوا بنمط النضال والحياة الذي تفرضه الحركة الآبوجية، لذا ابدوا ردود فعل ضد الحياة التنظيمية والسياسية، وبهدف القضاء على PKKاحتلوا إمكانهم على لائحة أولئك الذين يسعون لحياكة المؤامرة. وهنا لابد من رؤية الفروقات بين PKK والحركات الأخرى من حيث التيارات التصفوية المفروضة داخل الحزب، يقول سمير"ان حركة APO تسرق من الإنسان حياته" فماذا يعني بقوله هذا..؟ يعني ان حركة PKK هي حركة ضم وصهر كافة الفئات والشخصيات ضمن نظامها. وما إبداء ردود الأفعال هذه إزاء شخصية القائد APO إلا ناتج عن ذلك.
إذا ما أخذنا بدايات الحركة بعين الاعتبار يبدو لنا واضحاً انه ليس ثمة تحامل وردود فعل كهذه ضد المجموعة الآبوجية، بل استهدفت القائد APO منذ البداية، لكن ومع اكتساب هذا النظام شموليته بحيث لم يعد محصوراً بالقائد فقط توسعت واشتدت حدة الهجمات ايضاً. ومن الجدير بالذكر ان كافة التيارات المعادية التي ظهرت بين صفوف الحزب لها صلة وثيقة بحقيقة انطلاقة PKK وبجانب نظامه السياسي والإيديولوجي.
لقد حققت قفزة /15/ آب في عام 1984 تغيرات على الساحة والأوضاع السائدة آنذاك، فسابقاً تعرضت حركتنا لهجمات عدة من قبل تركيا وبعض القوى الأخرى، لكن مع هذه القفزة بدأ الموالين للنظام القائم ولا سيما القوى الرجعية في المنطقة بأنشطتها المعادية لنا. إلا ان السرهلدانات والانتفاضات التي اندلعت في أجزاء كردستان في أعوام التسعينات، تحولت الى ثورة الخلاص، هذا التحول بدوره اثر على توازنات المنطقة، وغدا لـ PKK مكانة هامة ضمن هذه التوازنات، حيث أضحى قوة مؤثرة على أنظمة المنطقة القائمة وتوازناتها. ما الذي يعنيه ذلك...؟ يعني ان الشرق الأوسط هو مكان لبناء وتحقيق التوازنات العالمية، ولـPKK مكان هام في هذه التوازنات وسيؤثر عليها من الآن فصاعداً. هذا بدوره أدى إلى ازدياد عدد القوى المعادية إضعافا مضاعفة، واكتسب أعداء القائد APO والحركة بعداً دولياً في التسعينات، حيث لم تنحصر أنشطتهم المعادية لنضال PKK في قضية الكرد وقضية التغير في المنطقة، بل تحول إلى صراع نظام ضد نظام ـ وبحالته الطبيعية فان نظام المنطقة يؤثر على النظام العالمي ـ اي ان النضال والصراع بات صراعا بين الأنظمة بشكل عام. ان البدء بنضال كهذا في الشرق الأوسط يغدو أمرا هاماً، وذلك لأن القوى الدولية بعدما قضت على الاشتراكية المشيدة، سعت الى بناء نظامها في وقت كانت الحركة الآبوجية أيضا تسعى لبناء نظام جديد في المنطقة. بتعبير اصح لقد بدأت حملة بناء نظام جديد بريادة PKK والقائد APO ضد نظام جديد لحلفاء انكلترا، أمريكا الساعين إلى بناء نظامهم عبر إسرائيل التي تشكل قوتهم العميلة.
عما يعبر كل ذلك...؟ في الوقت الذي بدأ PKK ببناء نظام يستند على حرية وأخوة الشعوب في الشرق الأوسط، نجد سعي النظام المضاد لبناء نظام امبريالي دولي في المنطقة عبر تجزئة الشعب الكردي وزرع النزاعات فيما بين شعوب المنطقة. يجب الا ننسى ان النظام القائم في الشرق الأوسط مبني من قبل انكلترا أولا، وتسلمها أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، فإذا كانت انكلترا مسيطرة على الصعيد السياسي فأمريكا مسيطرة على الصعيد العسكري والاقتصادي، ومن ثم ضمتا إسرائيل إلى هذا النظام. ومن المعلوم ان هذا النظام مبني على تجزئة كردستان. اما PKK فيسعى الى بناء نظام بديل يستند الى اسس الإيديولوجية الاشتراكية، وذلك بتوحيد إيمانه بوحدة الشعوب وإخاءها مع ضرورة حرية الشعب الكردي.
ان العبودية الطاغية على كردستان وتجزئتها ما هي إلا عقوبة منزلة من قبل آلهة الظلام على شعوب الشرق الأوسط، فالنظام المتبع من قبل انكلترا وأمريكا في الشرق الأوسط المعتمد على تجزئة الشعب الكردي هو عقوبة مطبقة على شعوب المنطقة. ومن أهم الفوارق الكامنة بين PKK و PDKـ YNK هو أن PKK يسعى وراء تحقيق حرية الشعوب ضمن إطار نظام يتخذ من الاتحاد الحر أساسا له، بينما يحبذ كل من PDK وYNK العمالة الدولية وذلك حفاظاً على مصالحهم الرخيصة. هذه الحقيقة هي من إحدى الأسباب الرئيسية التي تدعم المؤامرة. وهكذا نجد بان بقاء PKK وجها لوجه أمام المواقف العدوانية ليس لكونه حركة اشتراكية بل لأنه ساع إلى بناء نظام سياسي مختلف، وبالتالي فالنهج الشرق الأوسطي الذي ركز عليه القائد APO في مانيفستو الحضارة الديمقراطية له علاقة وثيقة بهذه الحقيقة.
أطلق العديد من المثقفين العرب على القائد APO اسم صلاح الدين الأيوبي الثاني، كما وبدأ قوى أوروبية مختلفة بتنقيب ودراسة الهدف من إطلاق اسم كهذا على القائد. اجل انه تشبيه صائب. لقد أعاد PKK مفهوم الحياة الحرة إلى هذا التراب من خلال إيديولوجيته وسياسته، كما اخضرت براعم نظامه رغما عن كل العقبات والعراقيل المزروعة في سبيله، ولو تطور هذا النظام سابقا لما تمكن النظام القائم من الصمود لمجرد يومين. وبالتالي فإن تناول مؤامرة /9/ تشرين الأول انطلاقا من المواقف اليومية المحصورة بالتقييمات السياسية حول القضية الكردية، غير كاف لمعرفة حقيقة المؤامرة بحذافيرها. لان حركة PKK هي حركة صلاح الدين العصرية، وصلاح الدين أيضا اكتسب الشخصية والهوية ـ أثناء الحملات الصليبية ـ في المنطقة عبر توحيد الشعوب وبناء نظام إقليمي في الشرق الأوسط بناءً على وحدة شعوبها. إن للقائد APO أيضا مواقف مشابهة لذلك، حيث أشار بقوله " إن تشبيهي بصلاح الدين أمر بالغ الأهمية، ودليل على إدراك مثقفي العرب حقيقتي عن كثب، كما وأنهم يبذلون جهوداً حثيثة في سبيل معرفة الشيء الذي أود القيام به، والدور الذي أود أداءه في المنطقة".
يشكل PKK وضعا جديدا لكافة المجتمعات في الشرق الأوسط، ونظراً لعدم زعزعته ودخوله تحت تأثير أية قوة وتحقيقه لنظام جديد واكتساب ثقة الشعوب، وبلوغه مستوى إيديولوجي وسياسي عال، فقد مهد السبيل لأن يتناوله كل من قوى الرجعية الدولية والإقليمية على أنه خطر يهدد مصالحهم يوما بيوم. لذا علينا تناول المؤامرة المدبرة ضد القائد من هذه الزاوية، لأنه كلما تعاظم PKK تعاظم أعداءه وازداد عددهم. فكما أن اليسار الكردي ـ التركي أراد القضاء على PKK في بداية انطلاقته، نجد أن الإتحاد الأوروبي أيضا يرسم مخطط المؤامرة ضد PKK وقائده عبر تقديم الدعم لتركيا. لكن ومع مرور الزمن أثبت أن إعاقة PKK وقائده بات أمرا مستحيلا. فلو كان بمقدور تركيا والقوى الرجعية في المنطقة إعاقة PKK لما كان هناك حاجة للتدخل الأمريكي ـ الإنكليزي مباشرة؛ في البداية أرادت القوى الإمبريالية تنفيذ المؤامرة لوحدها، لكنها كانت عاجزة عن تحقيق ذلك، لذا اضطرت لتقديم الدعم لتركيا لتحقيق غايتها، لكن ورغم كل ذلك لم تظهر حركة قادرة على تصفية حركتنا. من الأهمية بمكان الإشارة إلى ان قيام القوى الدولية بأنشطتها لها صلة وثيقة بذلك، حيث ادعوا ما يلي: "النظام يتغير؛ فثمة نضال وجهود مبذولة في سبيل بناء نظام جديد في المنطقة، وإذا ما تم بناء هذا النظام فستفقد القوى الدولية تأثيرها في الشرق الأوسط". انطلاقاً من هذه الحقيقة بدأت القوى الدولية بأنشطة شاملة وفعالة.
لا يريد الغرب ان يضحى الإنسان الشرق الأوسطي ذو شان بالاعتماد على إرادته الذاتية. ومع أخذنا الموقع الجيوبولتيكي للشرق الأوسط بعين الاعتبار، يبدو لنا واضحاً ان أوربا وأمريكا لا يحبذان ظهور حركة كحركة PKK وهذا ما يزيد من ردود فعلهما. فمن الممكن ان لا يكون ذلك ناتج من موقف ديني كالتي اتخذته الحملة الصليبية. إلا انه يتضمن على مواقف سياسية دون ادني شك، وهذا مرتبط بحماية المصالح الامبريالية في الشرق الأوسط. لكنه وكنتيجة نهائية هو موقف مشابه للموقف المتخذ في الحملة الصليبية، بعبارة أخرى يمكننا تناول المؤامرة المدبرة ضد القائد APO بمثابة حملة صليبية.
/9/ تشرين الأول من عام 1998 هو يوم خروج القائد من الشرق الأوسط وتوجهه إلى روسيا ، ومن ثم إلى أوربا. آنذاك أدرج القائد حلولاً ناجعة من خلال القرارات المتخذة في روما، إلا انه تم ردها رغم مرونتها ومعقوليتها التي تتشابه اليوم مع المتطلبات السياسية الدارجة في إمرالي. إذا لماذا هذا الرفض..؟ لأن إدراج تلك الحلول الناجعة هي بمثابة مواصلة نضال PKK وعدم استغناء القائد APO عن غاياته، كذلك لإدراكهم مساعي القيادة الرامية إلى بناء نظام جديد يسوده الإخاء والوحدة الحرة بين الشعوب من خلال تلك الحلول التي طرحها،وهذا ما يتناقض مع مساعي كل من أوربا روسيا واليونان التي تأسست على أساس الاشتباكات والنزاعات السائدة بين الكرد وشعوب المنطقة. لماذا لم تقبل أمريكا هذه الطرحات..؟ لأنها تهدف إلى بناء نظامها عبر تأجيج النزاع الكردي ـ التركي، بذلك ستكتسب تركيا إلى جانبها، وإذا ما تحقق ذلك، عندئذ ستلعب لعبتها السياسية وسيغدو نظام أمريكا هو النظام الحاكم. علماً بان تركيا تعيش الآن حالة التبعية للقوى الخارجية ولاسيما للغرب وأمريكا، أكثر من أي وقت مضى وبشكل لم تشهد لها مثيل في تاريخها.
كيف حدث ذلك...؟ حدث بعد ان أخلت بكافة الحقوق الدولية المعمولة بها مسلمة بذلك القائد APO للدولة التركية عبر مؤامرة دولية دبرتها ضد القائد وحركته. قد ينطوي هذا الأمر على أهداف جمة، بالتالي ستتحكم بتركيا وستزداد حدة الصراع الكردي ـ التركي، وبه سترسخ القوى الامبريالية سياستها في الشرق الأوسط مستفيدة من تلك الاشتباكات والنزاعات. وقد قيل للأتراك عبر هذه المؤامرة: "لقد سلمناكم ألد أعدائكم، الذي حاربتموه طوال ثلاثين عاما، فأنتم الآن مضطرين لتنفيذ متطلباتنا.
أما السبب الآخر للمؤامرة فيكمن في نضالنا الذي اظهر حقيقة الكرد الديمقراطية، واستهدف وضع أسس نظام جديد يسوده الإخوة والتضامن ووحدة شعوب المنطقة، فنحن لا نحبذ الاشتباكات بل نتركها جانباً ونتوجه نحو الحل، بذلك أضحى أصدقاؤنا في مرحلة الحرب اعداءاً لنا في مرحلة الحل والسلام.
الوجه الآخر لهذه المؤامرة هو عدم الرغبة في حل القضية الكردية، لأن حلها سيؤدي إلى انهيار النظام الامبريالي في المنطقة والقائم على أساس شخصية الكرد العاجزة عن الوصول إلى الحل. فأوربا لا تقبل بالكردي الذي يبحث عن الحل، لكن PKK تخطى تلك الشخصية وبدأ ببحث دؤوب عن الحل، واضعا بذلك الشعب الكردي أيضا في هذا النهج والذي بدوره دخل في مساعي البحث عن الحل عبر إقامة علاقات الإخوة مع شعوب المنطقة. وهكذا غدا واضحا للعيان استحالة استخدم PKK والكردي. على اثر ذلك تصدت كل من اليونان وأوربا وروسيا بشدة للكرد المطالبين بالحل، وإدراك النظام الامبريالي ان PKK يتجاوزه رويداً رويداً. ففي بداية التسعينات تأسس بُعد كردي، ومع اكتساب نضاله النتيجة المرجوة وإتمامه لمرحلة المقاومة أضحى أهلا لموقف يستهدف إدراج الحل، عندها بدأ المتآمرون الدوليون بممارسة أنشطتهم تجاه النظام الساعي إلى تغيير نظامهم. بإلقاء نظرة على ما ذكرناه ندرك بان المؤامرة المدبرة ضد القائد هي مؤامرة ضد الشرق الأوسط بأسره. من هذا المنطلق يعد مثال صلا ح الدين الأيوبي، مثالاً في غاية الأهمية.
ما استهدفتها إسرائيل من مؤامرة تشرين الأول هامة أيضا، حيث رسخت إستراتيجيتها على أساس" أنها القوة لا تهزم في الحرب". وبما ان دول الشرق الأوسط إسلامية، فقد مهدت السبيل لان تحافظ إسرائيل على وجودها وتجسد استراتيجيها على ارض الواقع، مستفيدة من الاشتباكات والنزاعات والتجزئة السائدة فيما بين دول الشرق الأوسط.
تشكل تركيا أهمية كبيرة بالنسبة لإسرائيل، حيث يستحيل عليها الحفاظ على وجودها بمعزل عن تركيا، لذا تسعى للحفاظ دوما على العلاقة وثيقة مع تركيا. من هذا المنطلق لا ترغب في وصول القضية الكردية إلى الحل. لأن حل القضية الكردية سيؤدي الى انقطاع روابط تركيا مع أمريكا وإسرائيل هذا من جهة، ومن جهة أخرى اذا ما أقدمت تركيا على حل القضية الكردية حينها ستغدو قوية ومؤثرة، وهذا ما لا تقبله القوى المتآمرة. هذا بالإضافة إلى ان إسرائيل تدعم سياسة الإنكار والإبادة التي تتبعها تركيا تجاه الكرد.
أما الأسباب الكامنة وراء احتلال إسرائيل المكانة في مؤامرة /9/ تشرين الأول فهي؛ الحد من تأثير النظام الذي يسعى PKK إلى بناءه، ثانياً؛ الحفاظ على روابطها مع تركيا ورفع العراقيل التي تسد سبيل ترجمة سياستها على ارض الواقع في الشرق الأوسط.
يشكل الكرد البعد الآخر للمؤامرة. فقد احتلت القوى القومية البدائية والإقطاعية مكانتها في المؤامرة بغية الحفاظ على مصالحها الرخيصة وتصفية الحركة الوطنية الكردية وPKK الذي تمكن من إنهاض الشعب الكردي عبر نضال تواصل على مدى ثلاثين عاما، وذلك تحت اسم حماية التصفية التي دبرت وبدأت ضد قائد هذه الحركة، والذي يشكل أمل وضمان عامة كردستان.
سلمPDK سجلاً للقوى الامبريالية يزعم فيه، ان الحركة الكردية حركة إرهابية. وهكذا اعتمدت القوى التآمرية في مؤامرة /9/ تشرين الأول على ذريعة ان PKK هي حركة إرهابية. ولكي تطفي أمريكا صفة الشرعية على معاداتها لـPKK وعلى هذا الأساس كسب تأيد الرأي العام العالمي، لم تظهر بان رفضها ناجم من ان "PKK يسعى إلى بناء نظام معادي لنظامها" وإنما تحت ادعاء "ان PKK حركة إرهابية ".
يعدPDK من أكثر الذين استخدموا مصطلح"الإرهاب" بعد أمريكا وتركيا، حيث يسعى منذ أعوام للحد من تأثير PKK، تحت ادعاء انه حركة إرهابية، سواء في المحافل الدولية او مجالات الإعلام والصحافة، كما يعد من أكثر القوى التي قدمت الدعم للنظام الدولي من حيث مسؤولية الهجوم. أما YNKفقد قام ببعض الاعتراضات من وراء الستار، وذلك في سبيل اكتساب مستوى يوازي مستوى PDK، والدخول في العلاقات مع PKK، وبالتالي احتلت هي الأخرى مكانتها في المؤامرة.
ما الذي تتضمنه معاهدة واشنطن المنعقدة في /17/ أيلول..؟ معاهدة واشنطن المنعقدة في 17 أيلول ـ أي قبل مؤامرة 9/ تشرين الأول بفترة قصيرة ـ تضمنت السعي لتصفية PKK في المنطقة، وتشكيل بُعد كردي آخر. علماً ان العديد من الجرائد كانت قد أشارت إلى هذا البعد الكردي بعد المؤامرة. وهكذا بدأتYNK بشن الهجمات عقب المؤامرة فوراً، أما PDK فاحتل موقعاً في المؤامرة بصورة علنية. بعدئذ اتخذ YNK موقفاً من قبيل "كيف سأتمكن من التحكم بهذه الحركة، فالفرصة متاحة، كيف سأتمكن من التربع على ميراث هذه الحركة طالما اسر قائدها.
هكذا استجدت وشُنت مؤامرة/9/ تشرين الأول، لكنها لم تصل إلى ما كانت تبتغيه، نظرا للنضال المرير الذي خاضه القائد وPKK ضدها. متى بدأ النضال ضد مؤامرة /9/ تشرين الأول..؟ بدأ منذ التسعينات، وذلك لأن القائد آبو كان على علم تام بأنه ستدبر المؤامرات ضد النظام الذي يسعى إلى بناءه. ومن المستحيل على قائد حركة رامية إلى بناء نظام بديل بحيث يؤثر على التوازنات القائمة في الشرق الأوسط ولا سيما التوازنات العالمية، دون ان يكون على علم بان القوى المعادية ستقدم على تطوير حركة شاملة ضده. وسيضحى تقيم كافة الخطوات التي خطاها القائد APO فيما بعد التسعينات على إنها تدابير متخذة للحيطة والحذر، تقييماً صائباً. انطلاقاً منه، يعد مراحل وقف إطلاق النار المحققة في أعوام 93-95 و98، مراحل خوض النضال في سبيل إخفاق المؤامرة. ومن المحتمل ان يتبادر إلى أذهاننا سؤال من هذا القبيل لِمَ بعد التسعينيات..؟ هذا مرتبط بنجاح ثورة الخلاص الكردي والتطورات التي أحرزتها الديمقراطية في العالم. وقد أدراك القائد APO بان فكر الديمقراطية والحرية قد اكتسب شوطاً من التطور في تركيا، وأنها ليست محصورة بتركيا وحسب، بل شملت عموم الشرق الأوسط ايضاً. هذه الظروف المهيئة بدورها أثرت على استراتيجينا، وقدمت إمكانات البدء بخطوة جديدة، وبالتالي استندت عليها الإستراتيجية الجديدة.
ان إدراك واستيعاب شمولية المؤامرة قبل الأوان، وخوض نضال مؤثر ضد النظام القائم، والذي بدوره يفرغ المؤامرة من محتواها ويغدو أكثر تأثيراً ضدها، كذلك كيفية جعل النظام الذي يسعى PKK إلى بناءه (ذاك النظام الذي يسوده إخوة الشعوب اعتماداً على الوحدة الحرة)، كان من أهم المواضيع الدارجة في جدل أعمال القيادة بعد سنة 1993. وفي المراحل التي سعى فيهاPKK والقائد APO الى تجسيد ذلك على ارض الواقع، ظهرت مواقف رامية إلى التصفية من الداخل، وهذا ما وجدناه بكل جلاء في المواقف التصفوية والتآمرية التي أقدم عليها زكي "شمدين ساقق"، كما وظهر المتآمرون في تركيا ايضاً. وما وقف إطلاق النار الذي أعلن في /93/ إلا تدبير متخذ ضد المؤامرة من طرف القيادة، ونضال في مواجهة الأنشطة الدولية. بيد ان تناول القوى العميلة لهذا النهج بصورة معاكسة وتقييمها للحملة الموجهة ضد القوى المعادية على إنها استسلام لها، موقف يعبر عن التآمر. وللحد من تأثير المواقف المنحرفة المفروضة من الداخل تحت ريادة زكي، ازدادت مساهمات القيادة بصدد تطوير الإستراتيجية الجديدة، كما ان لوقف إطلاق النار الذي أعلن في /1/ أيلول صلة وثيقة بهذه الجهود.
السبب الآخر لتسارع المؤامرة؛ هو اتخاذ القائد APO تدابير إضافية لأجلPKK، وسعى لإفراغ الحركة المعادية عبر إعلان وقف إطلاق النار الذي يشكل النهج الجديد. لذا استهدفت مؤامرة/9/ تشرين الأول إعاقة وقف الكفاح المسلح المعلن في عام/98/ ولاسيما إعاقة إيصال النضال الذي يخوضه قيادة PKK في مواجهة الحركات المعادية، إلى مستوى يغدو فيه فعالاً. ذلك لأن وقف الكفاح المسلح يمهد السبيل لتطوير وبناء نظام جديد، ولمرحلة يتم فيها خوض نضالٍ فعال ضد المؤامرة.
وهكذا تسارعت مؤامرة/9/ تشرين الأول في خطواتها واستمرت بأقصى سرعتها، رغم تقديم كافة المواقف المعقولة. وفي النتيجة انتهت المؤامرة بأسر القائد. هنا يمكننا تقييم المؤامرة من إحدى الجوانب على إنها بلغت هدفها عن طريق اسر القائد APO . لكن دون شك لم تنتهي المؤامرة بالنجاح الكلي، لماذا..؟ لأن النضال ضد المؤامرة كان مستمراَ؛ وما المواقف المتخذة في إمرالي من قبل القائدAPO ، ومرافعاته العميقة التي هي مانيفستو للحضارة الديمقراطية إلا تعبيراً عن إفراغ المؤامرة ونضالاً فعالاً ضدها. وكما بين القائد آبو في مرافعاته" ان المؤامرات التاريخية لا توقف التطورات بل تسرع من وتيرتها". لذا فإن إدراك المؤامرة أمر هام، وتناولها بجدية من الناحية التاريخية، سيقدم معطيات هامة من حيث إدراك الفخ المنصوب للشعب الكردي وشعوب الشرق الأوسط عموماً.