مقالات وأبحاث

انتصار ثورة غربي كردستان تعني في جوهرها انتصار القضية الكردية...

شرفين هركول

عاشت الجغرافيا الكردستانية متلاحمة منذ الأزل، ولم تعرف الحدود إلا بيد الاستعمار الأجنبي الذي ترك بصمة الحدود إلى يومنا هذا ،مستهدفاً النيل من حقيقة الشعب الكردي ووحدته الاجتماعية عن طريق استخدامهم الأساليب القمعية والتجزيئية.

دارت الكثير من الحروب بين الدول التي أرادت تسيير مصالحها على هذه الجغرافيا بهدف الاستيلاء على الغنى المادي والثقافي والتاريخي، وأكثر اللذين الحقوا الضرر بهذه المنطقة هم الانكليز والفرنسيين والأمريكيين ،اللذين قاموا في نهاية المطاف بتجزئة هذه الجغرافيا إلى أربعة أجزاء وفق مصالحهم، وتم تعيين كل السياسات والأساليب الاستعمارية التي تخدم هذه التجزئة، لم تتوان الدول المسيطرة على هذه الجغرافية في ممارسة كل أنواع العنف والمجازر وسياسات الصهر والقمع القومي بدون أن ينظروا إلى الوجود الإنساني والقيم الإنسانية وأخلاقها، كانوا يرغبون الاستفادة من كل غنى كردستان التي كانت مهداً لكل الحضارات . 

وهنا، السؤال الذي يدور في الأذهان:

 هل وقف أهل المنطقة مكتوفي الأيدي أمام كل هذه السياسات ؟.....أم أنهم قاوموا الاحتلال والتجزئة ؟

حتماً، لم يتخلوا عن قيمهم التي بنوها في المرحلة النيوليثية وفي كل المراحل التي كونت فيه البشرية لنفسها، قاوموا مثلما قاوموا الآشوريين وحملات الإسكندر، قاموا ببناء القلاع والأسوار، أسسوا الجيوش وخاضوا المعارك وقدموا كل ما هو نفيس حفاظاً على الشرف والحياة الكريمة. وقد بذلت هذه المقاومة للحفاظ على كل قيم المنطقة، بغض النظر عن الاختلافات العرقية أو الأثنية أو الدينية،وقد حافظت هذه المقاومة التي استمرت لقرون، على أصالة وخصائص سكان المنطقة إلى يومنا هذا .

أما بخصوص مقاومة الشعب الكردي الذي يقطن جغرافية الشرق الأوسط والتي تسمى بكردستان، فقد أوصلت الأجيال الكردية إلى مستوى تكون فيه قادرا على قيادة كل المنطقة، حيث بدأت بالمقاومة منذ تشكلها العشائر وبناء نظامها الكونفدرالي ووصولا لبناء الإمبراطورية، وتأسيس الإمارات والدويلات و ساهمت كل القوميات الأخرى في الحفاظ على الحرية وحماية الذات. وأخيرا ساهمت في بناء الدول القومية التي لم تعترف بحقيقته وحقوقه القومية فيما بعد. فناهضت كل السياسات الشوفينية والقوموية التي مورست بحقها، ولم ترض بالذل والاستعباد قطعا.

كانت دائما في نزاع لأجل نيل حقوقها المشروعة لبناء حياة تستند إلى المساواة والإخوة، وقد كان تاريخ الأكراد تاريخ مقاومة وانتفاضات مستمرة إلا أنها دائما جوبهت بالقمع والخداع والانصهار القومي والمجازر الجماعية، ونشير إلى انتفاضات الأكراد في الأجزاء الأربعة من كردستان من عبيد الله النهري إلى شيخ سعيد وسيد رضا ومن انتفاضة سمكو شكاكي وقاضي محمد إلى محمود البرزنجي وملا مصطفى البرزاني وأخيرا حركة التحرير الكردستانية بقيادة القائد عبد الله أوجلان. إلا أن الاثنين الأخيرين مازالا مستمرين إلى يومنا الراهن، فالدول الرأسمالية بقيادة أمريكا تريد تطوير نموذج الدولة القومية الكلاسيكية في جنوب كردستان، لتكون آلة بيدها تستعملها متى أرادت تجاه شعوب المنطقة وكوسيلة لضمان مصالحها في العراق والدول المجاورة.

كما تمارس كل سياسات القمع والترهيب عن طريق الدولة التركية تجاه حزب العمال الكردستاني وسد كل الطرق لإعاقة تطويرها والتي أصبحت لها أكثر من ثلاثين سنة تبذل كل جهودها لإنهاء هذه الحركة. ورغم كل ذلك فالشعب الكردي مازال يقاوم كل السياسات والأساليب القمعية والحرب الخاصة وكل المؤامرة الدولية التي تمارس بحقه، حتى إن القضية الكردية أصبحت من أكثر المواضيع التي تشغل بال العالم الرأسمالي وكل القوى الثورية بنفس الوقت، خاصة أن تركيا وصلت إلى نهاية المطاف ولا يوجد أمامها حل سوى إما حل القضية الكردية باعترافه بحقوقه المشروعة، أو إيصال تركيا إلى حافة الانهيار. 

و المعروف أنها أجبرت على أن تعترف في النهاية بفشل كل سياساتها تجاه مبادرة السيد عبد الله أوجلان لحل القضية الكردية والتركية بالطرق السلمية الديمقراطية. وهذه النتيجة تمثل حقيقة أصالة الشعب الكردي وثقافته التاريخية.

لهذا سأتطرق إلى حقيقة المقاومة التي يبديها شعبنا اليوم في غربي كردستان كجزء أساسي من هذه المقاومة .

فغربي كردستان يعتبر اصغر الأجزاء من الناحية الجغرافية حيث كانت تحت سيطرة الانتداب الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى وفق معاهدة سايكس بيكو، قاوم شعبنا مع الشعب السوري بكل أطيافه وبكل بطولة عن الوطن وحماية القيم ضد الاحتلال الفرنسي  ومن أكثر القيادات شهرة في هذه المقاومة هو يوسف العظمة وإبراهيم هنانو والكثير من القادة الآخرين اللذين قاوموا وحاربوا حتى تحرير سوريا واستقلالها، كانت تعيش كل الشعوب الموجودة على هذه الجغرافيا معا متآخين متحدين ومعترفين يبعضهم البعض إلا انه وبعد مجيء حزب البعث الشوفيني على الحكم، بدأ تاريخ الانحلال والصهر وعدم الاعتراف بالحقوق لأية قومية أخرى ماعدا العربية السورية كما أنكرت الوجود الكردي الذي كانت دعامة المقاومة والتحرير والانكى من كل ذلك قامت بإزالة الأدلة التاريخية التي تثبت وجود الثقافة الكردية حيث أنها منعت اللغة الكردية وغيرت اسماء القرى الكردية وأنشأت الحزام العربي الذي ضم الكثير من القرى الكردية إليه و شرع عملية تسكين العرب الغمر اللذين أتوا بهم من مدينة رقة بعد أن قامت بإنشاء سد الفرات وتهجير العرب لتسكينهم في الأراضي الكردية التي استولت عليها الدولة بدون مقابل وهكذا قامت بحملة التعريب في غرب كردستان إلى جانب الكثير من القوانين الاستثنائية الأخرى التي طبقت على المجتمع الكردي في غربي كردستان .

إن الشعب الكردي في غربي كردستان، رغم الممارسات القمعية وسياسات الصهر إلا أنها كانت تعيش الثورة والمقاومة مع الأجزاء الأخرى وكانت تقوم بتقوية الحركات الكردية في كل الأجزاء الأخرى، إنها بمساهمتها في المقاومة في شرقي وجنوبي وشمال كردستان بكل ما لديها من قوى مادية ومعنوية وحتى الانضمام بشكل فعلي، كما انه كان دائما وعلى مدى التاريخ، الحضن الحنون لكل مهاجر كردي وكل مثقفيها المنفيين أمثال عثمان صبري،لقد حضنت كل من قام بالعمل لأجل الوطنية وقامت بحمايته وبمساندته في تسيير فعالياته،كان شعبنا يلبي النداء الوطني باستمرار بدون النظر إلى أية عوائق وقوانين،اثبت بذلك الروح الوطنية الموحدة وعيش المشاعر الوطنية قولا وعملا، وقدم وما يزال يقدم الشهداء في الأجزاء الأربعة، لم يعطي المجال لسياسات التفريق الذي مارسها العدو بل أثبتت روجافا بتاريخ مساندتها للأجزاء الأخرى عن فشل تلك السياسات المعادية للقضية الكردية . 

انطلاقا من هذه الحقيقة توجه قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان إلى هذه الساحة عندما خرج من تركيا وشمال كردستان في 1980 وجعل من هذه الساحة الوطنية بقاعدتها الجماهيرية الجبهة الأساسية والساحة الإستراتيجية لحركة التحرير الوطنية الكردستانية PKK وقد قام بتنظيم هذه الساحة التي أبدت استعدادها للتأييد والمساندة، كما أصبحت الساحة القيادية التي تدعم الثورة المسلحة ماديا ومعنويا، وقد قام قائد الشعب الكردي بتنظيم هذه الساحة لتكون النموذج الأصلي والتجربة الأساسية للنظام الجديد، النظام الكونفدرالي الذي يكون قادرا على إدارة ذاته ديمقراطياً.وللرجوع إلى الحقيقة التاريخية لهذه المنطقة، كما نوه القائد عبد الله أوجلان (المجتمعات الإنسانية ستجد الحل في المكان التي ضاعت منها حقيقتها).

لقد قامت جهود قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان بتقوية من ثقة هذا الشعب بنفسه وكون إرادته القوية، حيث استطاع الشعب بان يبني تنظيمه ويدير كل شؤونه الإدارية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وان يكون صاحب القرار في تقرير مصيره وان يكون ذو مكانه خاصة في تاريخ الشعب الكردي وفي تاريخ PKK بنفس الوقت، على هذا الأساس وبعد خروج القائد APO من هذه الساحة اثر المؤامرة الدولية التي أدت إلى أسره، قام بالمظاهرات التنديدية التي استنكرت تلك المؤامرة الغدارة، شاركت في الثورة بالآلاف من أبنائها،وبعد اسر القائد ازدادت مساهماتهم أكثر من ذلك بأضعاف مضاعفة.

مع مرحلة المؤامرة الدولية قام النظام السوري بالكشف عن أنيابه مرة أخرى تجاه شعبنا، حيث خافت من مدى إرادة شعبنا ومدى تبنيه للثورة الكردية ومدى تلاحمه مع إخوانه في الأجزاء الأخرى،لذلك مارست شتى أنواع الاعتقالات والتهجير والتعذيب بحق شعبنا،كما قامت بارتكاب المجازر العامة أمام أنظار العالم الذي لم يحرك له جفن.ومن جهة أخرى طور حملته الشوفينية في أحداث قامشلو التي وقعت بتاريخ في 12-3-2004، حيث استشهد العشرات واعتقل المئات من أبناء شعبنا،وقتل المئات من شبابنا أثناء أدائهم الخدمة الإلزامية بين صفوف الجيش السوري، وقامت بتطبيق القوانين المجحفة بحق شعبنا في غربي كردستان وفي كل المدن السورية .

فبالرغم من كل تلك الممارسات إلا أن شعبنا قاوم ولم يتنازل عن حقوقه المشروعة في ممارسة السياسة والتنظيم وبناء إداراته المحلية وتشكيل مجالسه الشعبية، ورفع من وتيرة  المقاومة في السجون حتى وصل إلى مرتبة الشهادة،فالشهيد ابو جودي والأستاذ عثمان خير مثال على ذلك.

استمر الوضع على هذا المنوال حتى ابتداء الثورة السورية حيث أن شعبنا في غربي كردستان صعد من وتيرة النضال التنظيمي وفق مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية، والذي يعتبر الخط الثالث في الثورة السورية، ومن جهة أخرى قام بتشكيل وحدات حماية الشعب YPG و YPJ  العسكرية التي شاركت فيها آلاف من المتطوعين بغض النظر إلى الانتماء القومي، وبهذا أعلن نهج الإدارة الذاتية الديمقراطية  مقابل نهج النظام والقوى المعارضة في المناطق الكردية، اظهر إصراره على الأساليب السلمية في الثورة وحق الدفاع المشروع، حيث انه حرر مناطقه في 19 تموز 2012 بدون إراقة الدماء وإفراغ المناطق من قوى النظام .

 وبالرغم من كل الدعايات التي كانت تبث ضد حركتنا وحملات التشويه بجميع أنواعها من قبل قوى المعارضة والدول الجيران كتركيا والكثير من الدول الكبرى التي تساهم الآن في تأجيج نار الفتنة والحرب الأهلية، إلا أن شعبنا قاوم وما زال يقاوم  ببسالة وبطولة تاريخية .

أما الآن وبعد هذه الانجازات استنفرت القوى المعادية للمصلحة الكردية مرة أخرى بالكشف عن أنيابها وهذه المرة بالمداخلة العسكرية على أمل أن يستطيعوا الاستيلاء على المكتسبات والقيم الكردية ، وان القوى التي تقوم بدعم هذه السياسات هي الدولة التركية والسعودية والقطرية والأمريكية والفرنسية، والمعارضة السورية الخارجية وكما انه يوجد للنظام البعثي اليد في إدخال المجموعات المسلحة إلى المناطق الكردية وذلك لتغيير أهداف الثورة السورية ونشوب الحرب الأهلية والحرب المذهبية وبذلك تكون قد أطالت من عمر نظامها وتجزئة قوى المعارضة المسلحة وإضعافها وتحريف أهداف الثورة .

ولكن قامت وحدات الحماية الشعبية وشعبنا الكردي بتسجيل أعظم ملاحم المقاومة والبطولة واثبتوا مرة أخرى على حقيقتهم التاريخية ووحدتهم الكردستانية ،وبالرغم من صغر الجغرافيا وقلة عدد السكان إلا أنها اليوم تقاوم و تحارب كل أعداء الشعب الكردي ولم ترضخ لهم كما انه بالرغم من الاشتباكات اليومية إلا انه يقوم بتسيير وإدارة كل نواحيه الحياتية.

من المهم جدا تسمية ثورة غربي كردستان بالثورة الكردية الوطنية، لأنها تمثل جوهر حركة التحرير الوطنية الكردستانية والحرب التي تدار الآن هي ليست مستهدفة لغربي كردستان فقط بل تهدف كل الشعب الكردي وقضية وجوده، إن انتصار ثورة غربي كردستان تعني في جوهرها انتصار القضية الكردية وإعادة تاريخ الأكراد إلى ذاكرة الإنسانية، وانتصارا لإيديولوجية وفلسفة القائد عبد الله أوجلان في بناء المجتمع الديمقراطي ،وانتصارا لثورة المرأة الكردستانية التي كانت وما تزال القوة الطليعية لكل فعاليات غربي كردستان، وأثبتت بانضمامها ودورها الفعال عن مدى أهمية تحرر المرأة ودورها في ثورة الحرية وبناء المجتمع الديمقراطي.

لأجل أن نصل إلى النصر النهائي يتوجب على الشعب الكردي في كافة الأجزاء بمساندة ثورة الحرية والسلام والديمقراطية، وإننا كلٌ متكامل ولن تستطيع أية قوة تجزئة هذه الروح الوطنية ولن تصبح أية حدود جغرافية أو أي سياسة عائقا أمام وحدة هذا الشعب. 

هكذا نكون وبذلك سنكّون مستقبل أجيالنا في مجتمع ديمقراطي حر .