مقالات وأبحاث

الفرق مابين فرض الحقوق وعيش الأخلاق

الحقوق تفرض نفسها عنوة على المجتمع والفرد، أما الأخلاق تمثل عادات وأعراف المجتمع، وتتطور بين المجتمع...

جيان ماردين

ظهرت الحقوق إلى الوسط تزامناً مع ظهور وتطور العلاقات المدنية والتجارة والأسواق وعلاقات البيع والشراء بين المدن والبلدات، وقامت بفرض نفسها، فعندما تظهر الحقوق إلى الأمام تتعرض الأخلاق للطمس، أو إن صح التعبير فان الحقوق احتلت مكان الأخلاق وذلك مع بداية ظهور الأنظمة الطبقية، حيث قامت الأطراف المتسلطة بكتابة الحقوق وتوضيحها على شكل مواثيق، وذلك تحت ذريعة حل مشكلات المجتمع.

إذاً علينا أن نتساءل ما الفرق بين الحقوق و الأخلاق؟ إن الحقوق تفرض نفسها عنوة على المجتمع والفرد، وتتحكم بشكلٍ ظالم وغير عادل، وتقوم بتجميد عقول الناس، ففي الوقت الذي عليها إيجاد الحلول المناسبة لمشكلات المجتمع تقوم على العكس من ذلك بزيادة وتعقيد مشكلات المجتمع. أما الأخلاق فهي تمثل عادات وأعراف المجتمع، وتتطور بين المجتمع بشكل طبيعي، يمكننا القول بان الأخلاق تتطور بحسب احتياجات جميع أطراف المجتمع، وتنتشر بين المجتمع دون أن تستند إلى استخدام الشدة والظلم.

توجد العديد من الأمثلة الملفتة للأنظار التي تعبر عن الأخلاق، فمثلا مستوى السعادة، المعنويات، المساواة، الحرية والأمن عالٍ جداً في المجتمع الأمومي، وهذا كان بمثابة هدية تقدمها الأم للمجتمع، فقد قامت الآلهة إينانا بإدارة المجتمع الطبيعي عبر ماءاتها(قوانينها) المئة والأربعة، كما انه تم تنظيم الحقوق التي نقول لها القوانين في مجتمع البابليين وحتى مجتمع روما.

تقوم كل الدول أو النظم المتسلطة والحاكمة في يومنا الراهن بفرض قوانينها على الشعوب وذلك بما يتناسب مع أهدافها ومصالحها وإدامة حكمها وتسلطها، فقد لجئت الأطراف المتسلطة منذ بداية نشوء الحضارة إلى الألاعيب والخدع في إدارة المجتمع، وكلما مر الزمن ازدادت التصرفات اللاأخلاقية والخدع والألاعيب بين المجتمع. مثلما يقول القائد:"أصبحت الدولة مكان السياسة والحقوق مكان الأخلاق" أو بشكل آخر قطعت المجتمعات عن جذورها، ولم يبقَ مصطلح إلا وقامت الدولة أو الأطراف المتسلطة بتزييف مضمونها تحت اسم الحقوق والعدالة، ولم تبقَ أية قيم مقدسة لم تلعب بها، ليس هذا فحسب وإنما ترى هذا الأمر من دواعي حقوقها أو نستطيع القول بأنهم يضعون دولتهم مكان الإله على الأرض، و يقومون بتشريع كل أنواع التخلف والرجعية المنتشرة بين المجتمع تحت ذريعة الحقوق والقانون.

إنَّ الدول الأوربية أيضا قامت ببناء العديد من المؤسسات والحقوق تحت اسم حقوق الإنسان، لكن قوانينهم مجرد حبر على الورق ،فهي لا تحمي حقوق المجتمعات والأفراد، لان وضع القائد أبو هو خير مثال يعبر بوضوح عن هذه الحقيقة، فأوربا التي كانت تهتف   بشعارات الحقوق والمساواة، قامت بطمس كافة حقوقها ومبادئها من اجل حماية مصالحها الدولية، حيث قامت الدول الأوربية بتقديم مصالحها على العدالة والأخلاق الموجودة، بإمكاننا القول بان الدول الأوربية قامت بخداع ونفاق كبير على تاريخ الإنسانية. كذلك الأمر بالنسبة للدولة التركية التي لاتزال تتحكم وفق القوانين التي ظهرت سنة1961 و 1982.                                       

ان النظام المتسلط يستند على تلك القوانين ولايولي أية أهمية لإرادة المجتمع، حيث تتعرض في كل يوم النساء، الأطفال، الشبيبة والمسنين للتحرش والاغتصاب والهجمات الغير أخلاقية. فالذهنية الذكورية والرجعية التي استمرت على مدى خمسة آلاف أعوام هي التي تقوم بتشريع هذه الهجمات، أو بشكل آخر، ترزح الحقوق والأخلاق تحت تأثير السياسة المزيفة، وأصبح كل شيء منظماً وفق مصالح المتسلطين، فعندما لا تتحرك أية مؤسسة أو شخصية حسب سياسات وقوانين المتسلطين، فإنهم سيزيلون تلك المؤسسة على وجه البسيطة وسيرمون بتلك الشخصية في السجون على مدى سنين طويلة، لهذا الأسباب عندما تزال كل هذه الأوضاع من الوسط نستطيع التحدث حول أخلاقية اجتماعية وعدالة حقيقية.

تعد الأعراف سلاح المجتمع الأكثر أهمية وأساسية، لذلك استلبت الأعراف من أيدي المجتمع، نستطيع القول بان الطبقة المتسلطة نظمت بشكل عميق هذه القذارة ضد الإنسانية عبر ذهنية تحليلية وغير أخلاقية، حتى الآن كانت الدولة والأنظمة المتسلطة الموجودة تنظر إلى جميع مشكلات الشعوب عبر نظرتها ومازالت بعض الأطراف تريد الاستمرار في النظر إلى الأمور عبر الرؤية نفسها، لكن من الآن فصاعدا لن يستطيع أي احد النظر إلى المشكلات الاجتماعية حسب ما يريد ويشتهي.

لن يكون بإمكان أي احد أن يدير المجتمع حسب حقوقه وقوانينه وذلك بعد هذا المستوى من الوعي الذي وصل إليه المجتمع، إن نضال ومقاومة المجتمع تفرض على كل شخص أن ينظر إلى مشكلات المجتمع من منظور الحقيقة والعدالة. فإذا كانت الحقوق، السياسة الذكورية، الدولة و التسلط في العالم ذات تأثير، يتطلب أن تكون الأخلاق، السياسة، العدالة، الحقيقة واضحة في نظام الكونفدرالية الديمقراطية.

يتطلب دمقرطة الحقوق والسياسة الموجودة، بالإضافة إلى يقظة الدولة تجاه الحقوق الديمقراطية، يتطلب حماية حقوق كافة أطياف المجتمع والأفراد وذلك كقانون طبيعي، ويتطلب إعادة تصحيح علاقات الأخلاق، الحقوق، الحقيقة التي تم قلبها رأساً على عقب. النقطة الأكثر أهمية في الأمر حقيقة متطلبات تطوير الذكاء العاطفي والتحليلي معا، وذلك بهدف المحافظة على مصالح جميع  أطياف المجتمع، وعودة المجتمع من جديد إلى جوهره أي تحقيق المجتمع الأخلاقي والسياسي، وتنظيم نفسه على أساس نظام الأمة الديمقراطية، لذلك تظهر الحاجة إلى القيام بنضال مستمر من اجل إيصال المجتمع إلى تحقيق حريته، خاصة تلك المهام التي تقع على عاتق الحقوقيين، الكتاب والديمقراطيين أو إن صح التعبير كل الأطياف المطالبة بالحرية، حيث إن المجتمعات ناضلت من اجل تصل إلى تحقيق حريتها، كما يقول القائد أبو:" لا يوجد أي مجتمع بدون أخلاق وسياسة، فالأخلاق تمثل أساس المجتمع، كما إن المجتمعات تعرف عن طريق أخلاقها وحريتها".