مقالات وأبحاث

قضايا تنظيم الشريحة الشابة

الشبيبة هي روح الثورة ولا يمكن أن تكون الثورة ثورة حقيقية إلا في حال قيادتها فمن قبل الشبيبة...

بولات جان

من أكثر الشرائح الاجتماعية التي ركزت عليها الأنظمة المتعاقبة على مر التاريخ، وسعت إلى تدجينها وكبتها والسيطرة عليها وتحويلها إلى قوة (فاعلة) عضلياً في خدمتها هي الشريحة الشبابية الصاعدة ..... فكل الأنظمة والسلطات والجماعات سعت دوماً إلى إلحاق هذه الشريحة الديناميكية بنفسها وربطها بألف رابط وتقييدها بألف قيد حتى تتمكن من الاستفادة منها لأجل ضمان صيرورتها وقوتها وبهائها، ولكن دون أن تكون لهذه الشريحة أية آثار واضحة في تعيين ورسم الخارطة واللوحة الفعلية للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية لتلك الجماعة أو الدولة أو السلطة... الخ.

المطلوب من الشبيبة كان التالي: "اعمل فحسب وأترك لنا أمور التفكير.. أعمل فحسب وأترك لنا أمور التخطيط.. أعمل، حارب، ضحي بنفسك واستبسل في ساحات الحروب وأترك لنا أمور السياسة والإدارة والسلطة... لا تشغل نفسك بالاستفسار والمحاكمات والتساؤلات، لأننا ندرك ما لا تدركه ونعلم ما لا تعلمه..".

فالشباب يموتون، يُقتلون، يقتلون، يقاتلون، والشيوخ تتكلم وتتسيس وتدير وتتحكم. فهذه العقلية تنظر ونظرت على مر مئات، بل آلاف السنين إلى الشباب على أنهم ليسوا سوى وقود لمآرب الكبار وأهدافهم وطموحاتهم السلطوية التي لا تنتهي... وكل هذا أدى إلى ضرورة الإبقاء على هذه الشريحة ضمن دوامة الكهول عبر كافة السبل. ولأجل ضمان إذعان الشبيبة للكبار دائماً وعدم التفكير، مجرد التفكير بالإنتفاضة أو الاستفسار عن مكانته ودوره الحقيقي ومدى عظمة قوته ومحركاته الذاتية في تقدم عجلة المجتمع، لأجل كل ذلك تم إتباع العشرات من السبل والآساليب الملتوية لحجب العقل الشبابي ومنعه من الانفلات من كبته حتى لا يتحرر.. وكان يجب ـ بحسب العقلية السلطوية البطرياركية ـ فعل كل شيء لأجل السيطرة على الشريحة الشبابية.لذا فقد تم استخدام الجنس، والغرائز الأخرى لإلهاء الشبيبة، كما تم إلهاء الشبيبة ببعض الأفكار الخرافية والشعارات البراقة والتناقضات الجانبية وببعض نعم التكنولوجيا مثل الأنترنت والهاتف وبرامج المحادثة والأفلام والموضة والفن الهابط والدراسة النمطية والشهادات والوظائف والرواتب والمغريات الأخرى... كل هذا أدى بالشباب إلى حالة مستعصية من العقم في الإبداع والتخلف في إحداث ثورات فكرية حقيقية في مجتمعاتهم.... مع الأسف الشديد، يمكن القول بأن حالة الشريحة الشبابية يرثى لها وهي تتخبط في مستنقع من الإهمال والسطحية والسذاجة وعبودية الغريزة والصرعة والأفكار الهابطة.

السلطات والأنظمة بكل مؤسساتها التعليمية والعلمية والتربوية والدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية عملت على جعل هذه الشريحة بعيدة عن الهاجس الاجتماعي والثوري الحقيقي، وهذا الشيء كان يضمن لهذه الأنظمة استمراريتها وديمومة بقائها لأطول مدة. فالشبيبة هي روح الثورة ولا يمكن أن تكون الثورة ثورة حقيقية إلا في حال قيادتها فمن قبل هذه الشريحة التي يجب أن تكون بالأساس ساعية إلى الثورة ورفض الظلم والتقليد والكبت والاضطهاد والرجعية. لذا فإن إعادة هذه الشريحة إلى مقدمة الثورة وتسليم مقود الحراك الجماهيري لها بشكل جدي وفعلي يعد من أهم ضرورات نجاح الثورة أو أية حركة ساعية إلى التغيير والانتفاضة على القديم والبالي والرجعي.

وفي عملية تنظيم الشريحة الشبابية بكافة مكوناتها، أي الشبيبة المثقفة والطلبة والعاملة والشابات، تتعرض للكثير من المصاعب وتعوقها الكثير من العراقيل الجدية التي تعقد الأمور وتثقل كاهل من يسعى إلى قيادة الشريحة الشبابية وإيصالها إلى مكانتها اللائقة بها. إن العوائق والعناصر المعيقة كثيرة ومتشعبة، لكن يمكن ذكر أهم هذه القضايا التي تقف في وجهنا أثناء سعينا إلى تنظيم الشبيبة.

أولاً الاغتراب: إن قضية الاغتراب تعد من أهم القضايا التي تحاصر الإنسان وخاصة الشرقي منه. فعلى الرغم من أن الاغتراب مرتبط بالدرجة الأولى بحادثة الغربة والابتعاد عن أرض الوطن والأهل والشعب.... ولكن قضية الاغتراب التي تحاصرنا اليوم باتت منقطعة عن حادثة الغربة، حيث بات الفرد مغترباً عن محيطه، وعن بيئته ومجتمعه وعائلته والأنكى من كل ذلك أنه بات مغترباً عن نفسه وحقيقته. قضية الاغتراب  تعتبر مشكلة كبرى تحتاج إلى حل جذري في تضافر كافة الأطراف. الفرد المغترب عن ذاته لا يمكن أن يكون فاعلاً في المجتمع الذي يعيش فيه ولا يعيش فيه! كما أن الاغتراب تجلب معها الكثير من العقد والأمراض الاجتماعية والنفسية وابتعاداً عن الأصالة الثقافية وتقتل في الفرد كل مواضع الإبداع والتطور، كما أن عملية التوازن ما بين الفرد والمجتمع تكون مختلة والروابط تكون شبه معدومة.

ثانياً: إن قضية التقليد وخاصة الثقافي والاجتماعي منه يعد قضية تضاهي قضية الاغتراب في آثارها التدميرية على حياة الفرد وتقتل كل أمل للإبداع والأصالة والحفاظ على الروابط مع الجذور. إن الاسم الآخر للتقليد هو الهروب من الحقيقة الاجتماعية للفرد والمجتمع، كما أنها تعني قتلاً دون محاكمة لروح الأرض والتاريخ. ولكن ظاهرة التقليد وخاصة تقليد الآخرين، تقليد السلطات والطبقات الحاكمة، تقليد الأنظمة وحياتها المزركشة باتت موضة يهرع إليها الشبيبة دون أن يبادر أي منهم إلى المسائلة والبحث فيما يقلدونه وما الفوائد التي يجنونها والخسائر التي يتكبدونها. كما أن التقليد يرسخ في الإنسان عقدة النقص والتبعية والعبودية والخمول الفكري وضمور الإبداع.

ثالثاً: الموضة: إن قضية الهروب خلق ذيول الصرعة وخاصة الغربية منها وتقليد المقلدين من الدرجة الثالثة وخاصة في الموضات أن كانت خاصة بالملبس أو القصات أو الموسيقا أو المشي أو حتى الكلام والتظاهر بمظهر وشكل آخر تعد من الأمراض التي لا يمكن الخلاص منها بسهولة، حيث يتم القيام بكافة التفاهات تحت يافطة "أنها الموضة". فإن كانت "موضة" فهي تحلل كل شيء وتشرع كل شيء وتبيح كل شيء... فحسب هذا المرض، فلا بأس أن تقلد أي شيء إن كانت ضرورات "الموضة" تستدعي ذلك صرعات الموضة قد حولت الفرد وخاصة المغترب والمقلد إلى شبه إنسان، لا بل إلى مسخ لا يبدع ولا يفكر ولا يتقن سوى تقليد هذا الفنان /الفنانة، أو اللاعب أو الممثل أو المغني، ودون أن يضع في الحسبان العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تميزه عن من يقلدونه. فلا يمكن أن نتأمل أي إبداع من مرضى الموضة.

رابعاً: البطالة: البطالة قضية عالمية وآفة تنخر في جسم المجتمع الإنساني، ففي الوقت الذي تجد فيها كل الفصائل والكائنات الحية أعمالاً ووظائفاً لها، نجد بأن الإنسان يعاني من البطالة ولا يجد عملاً يقوم به. البطالة هي سمة من سمات المجتمع الرأسمالي، كما أن كل الأنظمة تستخدم البطالة والإقالة والطرد من العمل، كالسيف المسلط على أعناق المواطنيين.... وهي وسيلة للضغط والتدجين والترغيب وكذلك الترهيب. كما أن المجتمعات التي تسود فيها البطالة تكون تربة خصبة لكافة الأمراض والآفات الاجتماعية. وخاصة نجد بأن النسبة الكبرى من البطالة منتشرة بين الشبيبة. فالعاطل عن العمل، لا يجد شيء مناسب يفيد به مجتمعه ومحيطه.

خامساً: قتل الوقت: أو الفراغ الضائع... فعلى الرغم من انتشار البطالة بشكل مخيف بين الشرائح الشبابية، إلا أن أوقاتهم تذهب سدى ودون أية فائدة تذكر . فالنظام وبكافة السبل والوسائل يسعى إلى ملئ أوقات الشبيبة بأتفه الأمور، وهي توجه طاقاتهم وقدراتهم وساعاتهم الطويلة وميولهم باتجاهات لا تخدم المجتمع، بل تخدم النظام وتضمن ضمور الطاقات الشبابية وتبعدهم عن الحياة السياسية والهم العام والقضايا الاجتماعية. فالجلوس لساعات طويلة أمام الحاسوب وقضاء عشرات الساعات على صفحات الفايسبوك وبرامج المحادثة التلفونية والأنترنيتية  وألعاب الأتاري والبرامج التلفزيونية (الترفيهية) والمسلسلات الطويلة والمسابقات الرياضية كلها تهدف إلى إلهاء الشبيبة وعدم ترك أية مجال للتفكير والمحاكمة والاستفسار والتدريب والتنمية الذاتية للشبيبة. يمكن القول بأن تسعين بالمائة من أوقات الشرائح الشبابية تذهب سدى ودون أي تخطيط أو برمجة ذاتية مفيدة.

سادساً: العبودية الاقتصادية: إن الاستقلال والتحرر والتنمية مرتبطة بدرجة أساسية بالاستقلال الاقتصادي والتمويل الذاتي والاعتماد على المصدر الشخصي. ولكن وللأسباب التي ذكرناها في الأعلى فإن ارتباط الشبيبة بمؤسسة العائلة تصل إلى ة درجة العبودية والتبعية، حيث نجد أن أي شاب معلق بعرقوبه بخطافات العائلة التي يصعب على الفرد المعلق التخلص منها بسهولة. لذا نجد بأن شريحة الشباب تعيش حالة من التواكل والتطفل والخنوع. وكل هذا يؤدي إلى بروز شخصيات خاملة، لا تخرج عن إطار قوانين العائلة كما أن العائلات تستخدم سلاح المال والتمويل بشكل دقيق وثاقب في موضوع الضغط على الشباب وإبقائهم تحت راية الولاء لقوانين العائلة تحت كافة الظروف.

سابعاً: العشوائية والفوضوية: الشبيبة بطبيعتها تجنح إلى العشوائية والفوضوية والارتجالية في العمل. كما أنها لا تمتلك الخبرات التنظيمية التي من شأنها تنظيم وتوجيه وتطوير وتنمية وشحن الهمم لدى الشبيبة. انعدام التنظيم يؤدي بطبيعة الحال إلى بقاء الشبيبة تحت رحمة الدولة الكبيرة (السلطات) والدولة الصغيرة (العائلة) وكذلك تكون عرضة لكافة الألاعيب، خاصة وأن التنظيمات الشبابية والطلابية الموجودة وخاصة في المجتمع الكردي ضعيفة وضيقة ومتشنجة بالعشارات والأحكام المسبقة والأفكار الدوغمائية. هذه التنظيمات لا تفيد في عملية توعية وتطوير وتنمية الشبيبة، لا بل تبعدهم عن روح التنظيم وتنفرهم منها وتدفعهم إلى العشوائية والفوضى والابتذال. كما أن الأنظمة تسعى إلى ابعاد الشبيبة عن التنظيم والحياة المشتركة والروح الجماعية، لأن تنظيم توحد وتنمية الشبيبة تشكل خطراً وتهديداً على سياسات الأنظمة المطبقة على فئات الشبيبة والطلبة.

ثامناً: التعليم النمطي: أن قضية الدراسة وآساليب التعليم والتربية النمطية والمناهج المدرسية المفككة والمجردة والطرق الحفظية في التعليم تعد من أهم القضايا والتي تؤثر بدورها بشكل سلبي على كافة الأجيال التي تمر في المدارس التي تحولت إلى مكابس لشخصية الشباب ومعاصر لعصر كافة  إدراكاتهم وتضمر ذكائهم وتدمر خيالاتهم وتقص أجنحة إبداعاتهم التي من المفترض ألا تعرف الحدود في تحليقاتها نحو الفضاء الرحب. فكل المتعلمين والطلبة لا يفهمون من الحياة سوى المناهج التي يدرسونها، ولا يدرسون هذه المناهج إلا لتقديم الاختبارات والامتحانات والتي قلما يتذكرونها أو يستفيدون فيما بعد الانتهاء منها. كما أن الأساليب والمناهج الدراسية في الأنظمة القمعية والدكتاتورية لا تنمي قدرات التحليل والمحاكمة والاستيعاب والتجربة والوصول إلى لب الموضوع، ولا تضع في أيدي الطلبة مفاتيح العلم والتعلم من تلقاء أنفسهم. كما أن آثار ذهنية النظام أكثر تأثيراً على الطلبة والمتعلمين لكونهم يتعرضون للتلقين والتوجيه والتربية لفترة أطول وبشكل أكثر تركيزاً، لذا فإن قضايا الطلبة أكثر تعقيداً من قضايا باقي الشرائح.

تاسعاً: التمييز الجنسي : إن انعدام المساواة والعدل بين الجنسين والغبن الذي يتعرض له جنس من جنس آخر أمر مفروغ منه ولا يحتاج إلى الكثير من النقاش. والأمر كذلك فإن نصف أو أكثر من نصف الشبيبة من الفتيات، والفتاة الشابة كما المرأة عموماً تتعرض للتمييز في البيت والشارع والوظيفة وكافة مرافق الحياة. فالفتاة تكون رهينة وأسيرة للعادات والتقاليد والأعراف العائلية والقبلية أكثر بكثير من الشباب. كما أن الفرص المتاحة للفتاة أقل بكثير مما هي موجودة أمام الشباب. الدين والمجتمع والأنظمة لم تنصف المرأة عموماً والمرأة الشابة خصوصاً. لذا فإن عملية تنظيم الشبيبة تصطدم في كل مرة بصخرة قضايا الفتاة أو المرأة الشابة. وهذه القضية قد وصلت إلى درجة من الاستعصاء والتراكم والتشعب. فالفتاة أو المرأة الشابة تئن تحت وطأة قضايا مزدوجة، القضايا النابعة من كونها جزء من شريحة الشبيبة، والقضايا النابعة من كونها جزء كبير جداً من جنس مضطهد ومسلوب الحقوق. لذا يمكننا القول بأن قضية المرأة الشابة تعد قضية القضايا ومعقدة إلى درجة لا تصدق.

إن القضايا التسعة التي ذكرناها تعتبر جزءاً من عشرات، لا بل المئات من القضايا التي تعانيها الشرائح الشبابية وتؤثر سلباً عليهم وتبعدهم عن القيام بالدور الحيوي والرئيسي المنوط بهم عبر التاريخ.

إن حل قضايا الشبيبة تكمن بالدرجة الأولى في تجاوز القضايا التسعة التي أوردناها. ولأجل تجاوز هذه القضايا فلا بد من وجود تنظيم، بل تنظيمات شبابية عدة متميزة من حيث الشكل وأساليب العمل والأطر التنظيمية والأهداف المرحلية. مثل هذه التنظيمات بدورها بحاجة إلى برامج ورؤى فكرية وفلسفية واضحة وناضجة كي تتمكن الشرائح الشبابية من الارتكاز عليها والتنمية الذاتية على أساسها والسير على ضوئها حتى تحقيق كافة الأهداف. ولكل ذلك يجب أن نكون مستعدين لتقديم التضحية المطلوبة وبذل الجهود اللازمة والعمل ليل نهار، دون كلل أو ملل بروح الشبيبة وحيويتها وعنفوانها الأصيل الذي تعرض للكثير من الإهمال والتحوير على يد الأنظمة العديدة للحياة والمجتمع.