إدراك المرأة لذاتها من خلال إيديولوجية حرية المرأة شكل أولى الخطوات لمعرفة حقيقة التاريخ والحاضر...
استيرك كلو
بلغ صيت مقاومتهن عباب السماء قبل بلوغ دخان أجسادهن في المحرقات التي قذفت بأجسادهن الطاهرة فيها فداءً لمجتمعها ولجنسها، ليتعالى كل ما يملكه الضمير الحي نيابة عن جميع القيم الأخلاقية والوجدانية في ذاك اليوم الذي خضن أقسى الامتحانات، حتى يسمع العالم ذاك الهدير الجارف وتنحني الإنسانية إكراماً لهن. لم يعد يخفن من لهيب النار ولا من سياط الجلادين؛ لأن أجسادهن لم تتحوّل إلى رماد، بل إلى روح من المقاومة في جميع أرجاء العالم. وبهذه المقاومة استطاعت النسوة أن يخلقن الحياة من الرماد. يدعونا في يوم المرأة العالمي إلى إحياء هذه الروح التي ما برحت تنبض في كل حنايا وجنبات وجودنا. رغم حدة سياط الهيمنة الذكورية ولكن لم تستطع القضاء على ثقافة كانت وماتزال الروح الحية في بقايا وجودنا. تحيا مقاومة 8 آذار عيد المرأة العالمي في كل تمرّد وانتفاضة وغضب للمرأة تجاه ممارسات السلطة المتجذرة في ذهنية الرجل، تدفعنا قضية حرية المجتمع إلى البحث في قضية حرية المرأة أولاً، لأن قضية المرأة على رأس القضايا التي تعاني منها الإنسانية في راهننا. ربما يعترف العالم بهذه الحقيقة ولكن بكثير من الخجل أو وفق ما يتسنّى له ضمن منظومته السلطوية من تمرير لمصالحه عبر تهميشها وتقصيرها وعرضها كأية سلعة في أسواق الرأسمالية، ولكن عندما وصلت الحال بالمجتمع إلى حافة الانهيار؛ باتت من القضايا الأولية التي تحتاج إلى البحث وايجاد سبل الحلول لها في ذات المنبع الذي خسر فيه هذه القوة الجوهرية التي تمثل المعنى الحقيقي للحياة. عنوان قضية المرأة عنوان لقضية المجتمع في نفس الوقت، كون سوية تطور مجتمع ما مرتبط بسوية تطور المرأة فيه، وهذا ما لا يحتاج إلى براهين أكثر من التي نشعر بها حتى في أصغر تفاصيل حياتنا. وقد شهد الشعب الكردي في كردستان هذه الحقيقة بكل وضوح وخاصة بعد اندلاع ثورته بقيادة المرأة التي أدركت طريق خلاصها عبر ترجمة ما كدسه التاريخ إلى لغة المقاومة ضد الذهنية الذكورية. ولم تكتفِ المرأة بالمقاومة لأنها تستقبل عيدها في هذا العام بانتصارات عظيمة على كافة الأصعدة، بل تواصل تصعيد نضالها. إن إدراك المرأة لذاتها من خلال إيديولوجية حرية المرأة شكل أولى الخطوات لمعرفة حقيقية بالتاريخ والحاضر، وقد استجابت المرأة لهذه الحقيقة إيماناً وقناعة بالحرية ليس كجنس فحسب، بل كقضية شعب ومجتمع حر أيضاً. استطاعت المرأة الكردية أن تقود الثورة وتصبح عنوان انتصارها في روج آفا، ولم تأتِ تسمية ثورة روج آفا بثورة المرأة من فراغ، لأنها تعتمد على حقيقة ملموسة نستطيع قراءتها في كل صفحة من صفحات انتصاراتنا. حيث استطاعت المرأة إحياء ثقافة 8 آذار في كافة نشاطاتها من بعد مرحلة نضال ضد ثقافة الغصب والاعتداء والإنكار استمرّت أعواماً طويلة. وانطلاقاً من هذه الحقيقة عاشت المرأة الكردية روح 8 آذار في كل لحظة تصدّت فيها لسلطة الرجل والدولة، ووقفت صامدة ضدّ جميع الممارسات التي تعيق مسيرة كفاحها. ضحّت المرأة الكردية بكلّ غالٍ ونفيس في سبيل انتصار مسيرتها من دون أيّ تردّد، إيماناً منها بانتصار العدالة والديمقراطية والسلام وذلك لإعادة حياكة النسج الطبيعية للمجتمع وإرجاع سماته الحقيقية بهويته وإرادته الحرة. ربما لكلّ شبر أرض حكاية في زمن الحرب، ولكن لكلّ امرأة ألف حكاية وحكاية في زمن الثورة، وقد كانت حكايات النسوة في كوباني ليس من صنع الخيال، بل حقيقة اهتزّ لها ضمير الإنسانية، ولم يكتفين بالمقاومة بل حققن النصر بتصدّيهن لأكثر القوى إرهاباً في العالم، ليعلن للعدو والصديق بأنه يمكن لفاقد الحرية تحقيقها بالإرادة والعزم والوفاء. تبدو بصمات المرأة على كلّ انتصار حققته الثورة في روج آفا، وذلك بسبب انضمامها الفعال إلى كافة الميادين والتي كان البعض يظنّها مستحيلاً حتى الأمس القريب، لأنّ الذهنية ا لسلطو ية الذكورية سعت على الدوام على إبقاء المرأة في الدور الثاني والتعامل معها معاملة العبيد الطوعي، من بعد حالة الاغتراب التي وضع فيها المجتمع إلى درجة الانقطاع عن الجذور التي تغذّى عليها، واستبعاده عن خصائصه الاجتماعية الطبيعية. إنّ يوم 8 آذار يوم كفاح المرأة ضدّ كافة أشكال الظلم والاستعباد، فحوّلت المرأة في روج آفا كلّ أيامها إلى أيام للكفاح في سبيل نيل حقوقها وحريتها وبإرادة حرة اعتماداً على وعي وفكر خلاق وذلك لتحقيق مجتمع أخلاقي وسياسي. لا يمكننا أن نصف المجتمع بالحرّ إن لم تكن المرأة هي الطليعة فيه، لأنها لبنة التلاحم لحياة ديمقراطية حرة، وهذا ما أثبتته العديد من النسوة بتضحياتهن في العالم بدءاً من روزا لوكسمبورغ وكلارا تسيتكين إلى ساكينة جانسيز والوفية لهن آرين ميركان، لأنّ الرفيقة آرين استطاعت أن تنتقم بعمليتها الفدائية ضدّ إرهاب داعش ولجميع النسوة العاملات اللواتي أحرقن وهن أحياء في نيويورك، وهذا تحديداً ما ميّز ثورة روج آفا من غيرها من الثورات في منطقتنا. إنّ المشاركة الفعالة للمرأة في جميع الجبهات كان ضماناً حقيقياً في استمرار الثورة وتحقيق إنجازات عظيمة يدونها التاريخ في راهننا. وتستقبل المرأة الكردية عيد هذا العام بالمزيد من الانتصارات، وتلبية متطلبات هذا اليوم يعني دعوة النساء للانضمام إلى المسيرة الكفاحية بكل ما تعنيه الكلمة. إنّ احتفالات المرأة الكردية في روج آفا بهذا اليوم كان مغايراً عن سابقاتها، لأنّ النسوة في جميع أرجاء العالم قررن إهداء مسيرتهن للنساء في روج آفا، وهذا ما زادهن حماساً وقوة لأنه دلالة على التضامن النسوي والشعور المشترك لهنّ من بعد مرحلة كفاح ونضال تحوّلت إلى أساس لضمان حياة حرة يكون النظام الديمقراطي فيه سائداً.