الأمةُ الديمقراطيةُ هي أمةٌ أخلاقيةٌ وسياسية، أكثر من ما هي أمةَ قانون...
عبد الله أوجلان
القانونُ الديمقراطيُّ قانونٌ يعتمدُ على التنوع. والأهمُّ من ذلك أنه قَلَّما يلجأُ إلى الترتيباتِ القانونية، ويتميزُ ببنيةٍ بسيطةٍ غيرِ معقدة. في حين إنّ الدولةَ القوميةَ الحاكمةَ هي أكثرُ أشكالِ الدولةِ التي تَصُوغُ الإجراءاتِ القانونيةَ على مرِّ التاريخ. والسببُ في ذلك يَعودُ إلى تدخُّلِها في كلِّ شاردةٍ وواردةٍ في المجتمع بصورةٍ عامة، وإلى سعيِها للقضاءِ على المجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسيِّ بصورةٍ خاصة. حيث كانت المجتمعاتُ القديمةُ تعملُ على حلِّ نسبةٍ كبرى من قضاياها بالإجراءاتِ والتدابيرِ الأخلاقيةِ والسياسية. بينما جهدَت الحداثةُ الرأسماليةُ لإسنادِ مشروعيتِها كاملةً على الخلفيةِ القانونية. ذلك إنّ مغالاتَها في التدخلِ بشؤونِ المجتمع، واستغلالَها إياه؛ قد أفضى إلى لجوئِها للأداةِ المعقدةِ المسماةِ بالقانون، والتي تُصَيِّرُ العدالةَ شكلية. والقانونُ هو فنُّ الإدارةِ بعددٍ فاحشٍ من القواعدِ الحقوقيةِ المرتكزةِ إلى مفهومِ العدالةِ الصوريةِ في شرعنةِ أشكالِ الظلمِ التعسفيِّ الذي أفرَزَته الرأسماليةُ على مدى السياقِ التاريخيّ؛ أكثر مما هو تكامُلُ القوانين التي تُرَتِّبُ حقوقَ وواجباتِ الفردِ والمجتمعِ على حدِّ ما يُرَوَّجُ له بكثرة. هذا والحكمُ بالقوانين بدلاً من القواعدِ الأخلاقيةِ والسياسية، إنما هو أمرٌ خاصٌّ بالأغلبِ بالحداثةِ الرأسمالية. ذلك إنّ البورجوازيةَ الناكرةَ للأخلاقِ والسياسة، تلجأُ إلى سيادةِ القانونِ في تحصينِ نفسِها بالقوةِ القصوى. أي إنّ القانونَ سلاحٌ فتّاكٌ بِيَدِ البورجوازية. إذ تدافعُ به عن نفسِها في وجهِ النظامِ الأخلاقيِّ والسياسيِّ القديمِ من جانب، وضد الكادحين القابعين في الأسفلِ من جانبٍ آخر. كما إنّ الدولةَ القوميةَ تستقي قوتَها من سيادةِ القانونِ المُعَدِّ من جانبٍ واحد. أي إنّ القانونَ بمثابةِ آياتٍ قرآنيةٍ لإلهِ الدولةِ القومية، التي تُفَضِّلُ التحكمَ بالمجتمعِ عن طريقِ تلك الآيات.
ولهذا السببِ بالتحديد، فإنّ الأمةَ الديمقراطيةَ يَقِظةٌ حيالَ القانون، وبالأخصِّ حيالَ القانونِ الدستوريّ. فالأمةُ الديمقراطيةُ هي أمةٌ أخلاقيةٌ وسياسية، أكثر منها أمةَ قانون. وتبرزُ الحاجةُ إلى القانون، عندما تعملُ أساساً بموجبِ حياةِ الوفاقِ مع الدولِ القوميةِ تحت سقفٍ سياسيٍّ مشترك. وحينها يكتسبُ التمييزُ بين القوانين الوطنيةِ وقوانينِ الإدارةِ المحليةِ أهميةً ملحوظة. ذلك إنّ قانونَ الدولةِ القوميةِ التي تتَّخِذُ من المصالحِ البيروقراطيةِ المركزيةِ أحاديةِ الجانبِ أساساً لها، يَقبَلُ ويتبنى قوانينَ الإدارةِ المحليةِ بالضرورة، عندما يواجِهُ مقاوماتِ المجموعاتِ المحليةِ والثقافيةِ الديمقراطيةِ بنحوٍ دائم. هذا وتُعَدُّ النُّظُمُ الفيدراليةُ ونُظُمُ القانونِ الفيدراليِّ ساريةً في الكثيرِ من بلدانِ العالم، وفي مقدمتِها بلدانُ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والاتحادِ الأوروبيّ. أي إنّ الأنظمةَ التي تُوازِنُ شؤونَ مصالحِ الشعوبِ المحليةِ والآهلةِ في وجهِ البيروقراطيةِ المركزيةِ والرأسماليةِ الاحتكارية، تتنامى بدرجةٍ أكبر.
لَم تَستحوذْ كردستان والكردُ على حقوقٍ خاصةٍ بهم، نظراً لتعرضِهم للإبادةِ وإنكارِ الوجود. بينما كانت لهم حقوقُهم التقليديةُ والمكتوبةُ على حدٍّ سواء ضمن النظامِ العثمانيّ. وبالرغمِ من الاعترافِ رسمياً بكردستان والهويةِ الكردية، بل وبقانونِ الحكمِ الذاتيِّ الكرديِّ أثناء مرحلةِ التحريرِ الوطنيِّ أيضاً؛ إلا إنه تمَّ التنكُّرُ لهويتِهم، وعُمِلَ على مسحِهم من صفحاتِ التاريخِ بعدَ عامِ 1925، باتِّباعِ أساليبِ الصهرِ والتآمرِ والانقلاب. ورغمَ جزمِ مقاومةِ PKK بالوجودِ الكرديّ، إلا إنها لَم تتمكنْ بعدُ من انتزاعِ اعترافٍ رسميٍّ وقانونيٍّ به. وعليه، فإنّ KCK سيَعملُ أساساً على انتزاعِ اعترافٍ قانونيٍّ بالوجودِ الكرديِّ من الدولِ القومية، وإلا فسينكَبُّ على صياغةِ قانونِ شبهِ الاستقلالِ الخاصِّ به بصورةٍ أحاديةِ الجانبِ في حالِ عدمِ تمكُّنِه من ذلك. هذا وسيُولي KCK الأولويةَ لتخصيصِ مكانٍ لنفسِه ضمن الدساتيرِ الوطنية. وستصبُّ مساعيه المُؤَطَّرةُ بهذه الأولويةِ في تضمينِ شبهِ الاستقلالِ الديمقراطيِّ الخاصِّ به بالدساتيرِ الوطنيةِ الديمقراطية. إذ ثمة إجراءاتٌ في هذا المنحى ضمن العديدِ من البلدانِ الأعضاء في الاتحادِ الأوروبيِّ الذي تسعى الجمهوريةُ التركيةُ للانضمامِ إليه. والمقصودُ من الحلِّ السلميِّ والديمقراطيِّ للقضيةِ الكرديةِ أصلاً، هو الوفاقُ الدستوريُّ الديمقراطيُّ الوطنيُّ المرتكزُ إلى وضعِ شبهِ الاستقلالِ الديمقراطيّ. وما تحققَ في العراق، وما يشتدُّ حوله النقاشُ في تركيا وكردستان؛ إنما هو الحلُّ في هذه الوجهة. وفي حالِ فشلِ KCK بشأنِ الحلِّ الدستوريِّ الديمقراطيِّ الوطنيِّ المتسمِ بطابعِ شبهِ الاستقلالِ الديمقراطيِّ المرتكزِ إلى الوفاقِ المتميزِ بالأولوية، فسوف ينتقلُ إلى الطريقِ ذي المرتبةِ الثانيةِ من الأهمية، ألا وهو "الإدارةُ الديمقراطيةُ شبهُ المستقلة" وأحاديةُ الجانب. هذا وإنّ "الإدارةَ الديمقراطيةَ شبهَ المستقلةِ في كردستان" ليست كحُكمِ القانونِ الساري في الدولةِ القومية، بل هي إدارةُ العصرانيةِ الديمقراطيةِ ذات الآفاقِ المحليةِ والإقليمية.