أنا امرأة أبحث عن ألوان الفرح والابتسامة لأرسم لوحة السعادة لأمهات الشرق...
أريانا برين
لنتطرأ إلى موضوع المرأة وما آلت إليها عبر مراحل التاريخ وضمن النظام الحاكم، علينا أن نلقي نظرة على الماضي البعيد والقريب، فيومنا الراهن يخفي حقيقته خلف ستار الماضي والماضي يعيش في الحاضر والحاضر سينبعث منه المستقبل، وبدون تحليل المشاكل والمسائل المعاشة في عصرنا، لن نتمكن من بناء مستقبل مشرق للإنسانية جمعاء.
لكي تعرف دواءك عليك أن تعرف داءك، لهذا لكي نصل إلى حل أزمة النظام الحاكم، لا بد من أن ننبش في جذور المسائل، من أين تنبع؟ ومسبباتها، فما حالت إليه الإنسانية اليوم تمتد إلى خمسة ألاف سنة من التاريخ، فقط يمكننا أن نبدل حاضرنا ونبني بنياناً قوياً للمستقبل.
وعندما ننظر إلى يومنا والفوضى التي حالت إليها سنجد بأن سبب الأزمة المستعصية الحل هو النظام الأمبريالي الذي يمثل الحلقة الأخيرة للحضارة النظام البطرياركي الذي يمثله النظام الرأسمالي، هذا النظام الذي يدعى بأنه سيطور المجتمع ويرفع بها لمستوى راقي، بوجه المخملي ذاك أراد أن يخدع ويزيف حقيقتها القبيحة، فبدل أن تحل الأزمة والمشاكل المعقدة التي تعيشها الإنسانية. بل من عكس ذلك لأجل مأربها الخبيثة نشرت مرضها المعدي ذاك في جميع مناطق العالم، وتحولت وسائل العلم والتكنيك إلى وسائل فتاكة تخدم النظام الأبوي وحكمه، وأصبحا وسيلة الإستغلال في صنع الأسلحة واعلان الحروب النووية، كما أن مجتمعنا الدنيوي وصل إلى درجة لم يعد يتحمل مشاكل الجوع والبطالة المتفشية بشكل رهيب، كما أن الإنحلال الأخلاقي الاجتماعي وتفشي الأنانية التي تجاوزت الحدود، أدت بوقوع البنية الاجتماعية في فوضى وأزمة كبيرة، طبعاً لكي يتمكن هذا النظام الامبريالي من البقاء يقوم باللجوء إلى أبشع السبل على المجتمعات وبإرتداء قناعها المزيف، الذي يظهر بأنه هو الذي يعمل على حل أزمة العصر والفوضى التي عمت على مجتمعات المنطقة، وبالعكس من ذلك يكمن وراء كل حرب تشن، أو التناقضات (الأثنية والمذهبية والطائفية والعرقية) القوى الامبريالية. لأن الحضارة البطرياركية تتغذى من تعميق المشاكل والفوضى ضمن المجتمع، وخلق التخريب في سلوك الفرد. فنقع في كماشة هذه اللعبة الخبيثة دون دراية، فالعراق ظاهرة حقيقية أمام الأعين.
فالنظام الامبريالي يتغذى من ترسيخ التناقضات الدينية والمذهبية والطائفية ضمن الشعوب والمجتمعات، ومن أحد الأسس التي تجعل من النظام الامبريالي أن ترسخ نفسها هو الحروب الأهلية والطائفية وتفشي التناقضات الدينية والمذهبية ضمن المجتمعات، وتطوير التقربات العرقية والقومية البحتة ما بين الشعوب التي عاشرت بعضها البعض عبر العصور وخلق بينها جواً متكافئ من المساواة والرخاء والأخوة، طبعاً حينما أذكر هذا الأمر أنوه إليه بعيداً عن مفهوم الدولة وتقرباتها للشعوب والأقليات. لأن الذي يحتل محور المسألة هم الشعوب، والمجتمع بشكل عام، طبعاً يمكن أن تخالفوني الرأي وتقولوا كلا: وأنا أدافع عن رأي وأقول: إذا كان النظام الحاكم الحالي أي النظام الامبريالي يعمل لبناء حضارة أرقى لإنسانية وخاصة في المجتمع الشرقي، إذاً فما هذا الانحلال الذي حل على القيم الأخلاقية في البنية الداخلية للمجتمع وغسل كافة الذهنيات بالمنطق القومي، وما حققته من التخريبات الأيكولوجية والجنسوية الاجتماعية، وكذلك سعيها لتحويل العقول الشابة إلى عقول الآلية، وكما نرى التشاؤم وفقدان الثقة والهدف والقلق والحقد والعنف وإعطاء الأولوية للغرائز العمياء، كما أن افراد المجتمع يعانون من الانعزال الفردي، وإفتقار القيمة المجتمعية، وكل شيء أصبح لا يتجاوز إطار المصلحة الذاتية، وعدم الإهتمام الإنساني وفقدان الوفاء والأنانية وافتقار المعنى والقيمة للحياة وقدسيتها، فعلى ماذا يدل كل هذا، أليس هو أكبر دليل على شكل النفسية المسيطرة على الجوع الإجتماعي لأزمة العصر، ومن له مصلحة في هذا سوى القوى المعادية للشعوب والقوى التي تسندهم وأنتم أعلم مني من يكونون هذه القوى...
وبجانب كل هذه الأمور يجب أن نتطرأ إلى أمر بالغ الأهمية ويشكل كلمة السر التي يجب أن نحلها وهو ظاهرة تملُّك المرأة في نظام الذكوري المتسلط فأنها مهدت السبيل لظهور مشاكل وعقد اجتماعية واقتصادية كبيرة وأدت لزيادة عمق الفوضى التي حلت على النظام مع مرور الزمن.
كلنا نكتب عن ما هو موجود ولا نبحث عن الحل، ولكن هل لي أنا وحدي بأن أجد الحل وأحققه، ولكنني أصرخ من خلال قلمي في الضمائر الحية لعل كلماتي تكون بلسماً لقلوب الأمهات، وأقول لهن يا أمي في لبنان والعراق وكردستان وتركيا وأمهات الشرق أجمع، أنا أيضاً إمرأة.
أقف اليوم حائرة أتأمل نفسي من مرآة الإنسانية، فأرى بأنني إنسانة، لا يسمح لها بالاختيار، فكل الأطراف باتت جهنماً أينما ألتفتت، أنبش في جعبات الإنسانية عن المحبة والأمان، الكل يسخر مني: يا السخافة أتبحثين عن الحب والأمان فهم رحلوا من زمان من بيننا، إذا كنت مجنونة فهذا عمل المجانين، نعم مجنونة عندما تقنعوا بالتعقل والمطلق، ولم يترك للخيال والآمال فرصة للحياة، أركض هنا وهناك، لا أسمع أصوات زقزقة العصافير في صباح وطني، فالكل أضرب عن الغناء، لم يعد الكنار والبلبل يغرد، ومضى زمن إهداء الياسمين، وانتهى العمر حينما مات الياسمين وبيعت العواطف في الأسواق، أنتهى التاريخ بعد أن تحول الوطن مهد حضارتنا لنهر جاري من الدماء، والأمهات التي فقدت أكبادهن وتحطمت قارورة قلوبهم، وعمت أعينهم بعد أن أصبحت فضاءً للفيضان من الدموع الحمراء، يمتلكني إحساس الخوف من المستقبل، وهل هناك مستقبل وحاضر قد ملئ بمصاصي الدماء؟، أليس المستقبل يكون من أخي وأختي وأبنائي وأحفادي وأصدقائي، قتل أخي وقتل أبنائي وأحفادي، ومزق جثث أصدقائي، ورمي بهم على أطراف الطرق المنسية. وأنا أقف مكتوفة اليدين، أحاول أن أكتب سطرين من خبر على ما يجري، ولكن لمن أكتب فهل هناك من يسمعني ويفهمني، أمي شرق الأوسطية مجروحة من الأعماق، مكسورة الجناح، مغدورة من الظهر، وعيناها انتفاضة للدمع وأعماقها ثورة هائجة من العواطف، ليس هناك لوحة لإبتسامة، بل هناك لوحة الدمع والأحزان...
وأنا إمرأة أبحث عن ألوان الفرح والإبتسامة لأرسم لوحة السعادة لأمهات الشرق...