كيف لنا ان نقف في وجه الحرب و نكافح إلى جانب ذلك ضد الاغتصاب؟...
برخودان عفرين
الحرب والاغتصاب مصطلحين قربين من بعضهما البعض، ومنبعهما واحد، وكلاهما يعني الألم والمأساة، وكلاهما تمارس على اناس ضعفاء خائري القوى فاقدي ثقافتهم الحقيقية. ففي الوقت الذي كانت فيه المجتمعية تعني الحياة المليئة بالحيوية والنشاط، وفي الحين الذي كانت المرأة آلهة تقدس لما قد أبدعته لخدمة البشرية. و في الحين الذي كانت المرأة هي الحياة بحد ذاتها، بحيث وضعت قوانينها بذهنيتها الخلاقة والإبداعية الممثلة للحياة المجتمعية الحقيقية. لنرى فيما بعد بأن كل هذه القيم والتطورات قد تغيرت وغربت عن جوهرها ليرسخ بدل عن ذلك نظام يجعل الحرب والاستيلاء والنهب والاغتصاب الطراز الوحيد السائر في المجتمع وذلك نتيجة ذهنية الرجل الماكر ـ الكاذب ـ المتآمر، ليقضي على كل تلك التطورات بكتابة التاريخ بخط يده ويصبح هو الآمر والناهي، هو الإلـه وهو الملك، ومن ثم يكون هو أبو المعارف بدلاً من أم المعارف التي هي المرأة لتسمى فيما بعد المشعوذة و الشيطانة والساحرة. اذا كيف لنا ان نقف في وجه هذه الذهنية الذكورية؟ وكيف لنا ان نقف في وجه الحرب و نكافح إلى جانب ذلك ضد الاغتصاب؟
أفظع شيء واجه البشرية هي مراحل الحرب، حيث جلبت معها الآلام والمخاضات الجمة للبشرية، وأكثر من تضرر في هذه الحروب هي المرأة ان كانت ( الأم، الأخت، الزوجة)، ولا انكر بأن الفئات المتبقية لم تتضرر ولكن بما أن المرأة هي أساس الحياة فدائما الرجل اراد ان يقضي على هذه الحياة بضربه للمرأة في سبيل مصالحه السلطوية، وليس في يومنا الراهن ولكن الحروب بدأت منذ أن بدأت ذهنية الرجل بالغيرة والحسد تجاه ما ابدعته المرأة من اختراعات دخلت في خدمة البشرية ـ بدءا من اينانا وانكي إلى يومنا الراهن. فالحرب تعني العنف، تعني الاستيلاء، تعني النهب، تعني الاغتصاب، وقبل كل شيء تعني الكثير فقدان الحقيقة بكل ما تملكه من أخلاق وسياسية وحرية وديمقراطية وفي النهاية ضياع النريفانا.
الاغتصاب: هي ظاهرة من ظواهر العنف التي مورست منذ زمن غابر منذ ان بدأ التاريخ مع نظام ذهنية الرجل السلطوي، وما زالت تمارس لحد الآن. في البداية لم تكن هذه الظاهرة منتشرة كما نراها في يومنا الراهن، ما نسمعه ونشاهده في شاشات التلفاز أو ما يكتب في الجرائد الكترونية والمجلات العامة والخاصة، حيث تذكر أعداد لا تحصى من النساء التي تغتصب يوميا من قِبل الرجال ( في المدارس، الجامعات، أماكن العمل، الخادمات اللواتي تعملن في بيوت الاغنياء وحتى في الشوارع).
النقطة الهامة؛ تحولت هذه الظاهرة فيما بعد الى ثقافة مشروعة ضمن المجتمع، وأصبح الناس يقتربون الى هذه الظاهرة بعين غير مبالية او ظاهرة طبيعية وكأن المرأة هي المذنبة وليس الرجل، لان المرأة هي دائما مصدر الشهوات ومصدر التحريض حسب نظرة المجتمع المنسوج بذهنية النظام السلطوي وبالأحرى بحسب نظرة الرجل المتسلط.
و كثيرا ما يتم اغتصاب الفتية الشابة وخاصة في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية وفي الجامعات، حتى وصل الامر بان تبدأ مخاوف العائلات على أولادهم من هذه ظاهرة، حيث أوصل الكثير من العائلات بان تُرصد الابواب على بناتهن خوفاً من الاغتصاب، لأنه مخذي وعار على العائلة، فكثير من الفتيات المغتصبات تصبحن عاراً ( بحسب الذهنية الموجودة ) على ذويهن بعد اغتصابهن من قبل الاقارب أو من قبل رفاقية خاطئة في سن المراهقة بحيث يتم قتلهن نتيجة ذلك. وطبعا ذهنية القتل هذه ناتجة عن الذهنية التي تقول بان المرأة هي شرف العائلة وإن تلوث الشرف يتطلب ان ينظف ولا ينظف سوى بسيل دمها مثلها مثل ذبح أي شاة. وأن لم يتم قتلها تصبح هذه الفتاة شاذة ضمن العائلة والمجتمع على حد السواء. وأكثر الأحيان تقوم المغتصبة بالانتحار بعد معاناة الامراض النفسية.
الشكل الاخر من الاغتصاب لا يكون جسدياً وإنما بحط الرجل من شانها إما بنظرة عين دنيئة بحيث يغتصبها بنظراته أو عبر التفوه ببعض الكلمات البذيئة التي تحط من كرامة المرأة، أو عبر التحرش الذي يقوم من خلاله بإشباع شهوته، وهذا أيضا يؤثر على حياة الفتاة التي لم تتجاوز الثانية عشر من عمرها او التاسعة من عمرها. ومثل هذا النوع من الاغتصاب كثيرا ما نسمعه من تداولات ونقاشات الفتيات الشابات اللواتي توضحن خوفهن حتى من الإفصاح عن ذلك لعوائلهن عم حصل معهن من هكذا تقربات والتي غالباً ما تظهر في المدارس الابتدائية من قبل العاملين في المدرسة. بهذا الشكل تخلق الحساسية تجاه الجنس الذكري، بدءاً من تقرباتهن لأفراد العائلة وصولا إلى ذكور الاقارب. ربما في هذا السن ان لم يتم توجيههم بشكل سليم فإن ما ينتج عن ذلك هو تأثير سلبي يؤدي إلى أن يخلق لديهن أمراض نفسية وبدنية أيضاً. كلما كبرن تكبر هذه الازمة لتتحول فيما بعد الى عقدة نفسية وتصبح مشكلة اجتماعية مع مرور الزمن.
اما الشكل الآخر للاغتصاب والذي يصعب على المرأة أعطائه المعنى هو اغتصاب الرجل المتزوج لزوجته والتي تعتبر حلاله كما يقال في الاديان السماوية. والسؤال الذي يطرح نفسه؟ ما سبب احتياج المتزوج باغتصاب زوجته؟
ولماذا تصمت المراة تجاه هذا التقرب من قِبل زوجها؟
ربما يكون سؤال بديهي بعض الشيء ولكن الجواب وبكل وضوح هي مسالة الملكية، فالرجل يرى بان زوجته هي ملكه والزوجة بحكم التقليد ترى نفسها ملكاً له. أي الرجل متى ما أراد أن يمارس الجنس معها فيجب ان لا ترفض ذلك و بالأحرى ليس لها حق الرفض البتة. وهو ما يصبح السبب ( وهو سبب محق) في أن تخرج المشاكل العائلية وبالأخص ضمن العوائل التي تكون فيها النساء ذوي وعي ومعرفة اللواتي ترفضن ممارسة الجنس يومياً مثل ممارسة الجنس لدى الحيوانات التي لا تفكر سوى بغريزتها.
والاغتصاب لا يتم بحق المرأة فقط اثناء الحروب وإنما كثير ما يغتصب الجنس الذكري ايضا من قبل الذكر. ولكن المعروف دائما هو أن المرأة تغتصب فقط وهو الشائع والمشروع اما اغتصاب الرجل لا يفصح عنه كثيرا بين المجتمع.
أما الاغتصاب يكثر وبكثرة اثناء الحروب التي تنشب بين الدول، بين القوى الحاكمة والقوة التي تقوم بالثورة من اجل حريتها وكرامتها.
حيث تغتصب الأرض، اللغة، الثقافة والاقتصاد والحقوق، أي يغتصب النظام الذكوري كل شيء في سبيل سلطته ومصالحه دون هوادة.
أي اكثر المغتصبات اللواتي تقعن اسيرات بيد العدو وتمارس عليهم اشد ممارسات العنف هذا من جانب، ومن الجانب الآخر هناك النساء اللواتي تغتصب من قبل الجنود عند مهاجمتهم لمنازلهن بعد مقتل الاب و الاخ أو الزوج و الابن، او يقام باغتصابهن أمام أعينهم ان لم يتم قتلهم دون خجل او رحمة.
وهناك الكثير من النسوة اللواتي تغتصبن في السجون بهدف كسر إرادتهن وخاصة اللواتي قد تعاملنا مع السياسية، وخير مثال ما ظهر في السجون السورية.
بعد اندلاع الثورة في الشرق الأوسط فإن القوى الإمبريالية والعصابات العميلة معها عملت وما تزال تعمل لخلق النعرات والثغرات بين فئات المجتمع وشعوبها لتحويل هذه الثورة إلى حروب أهلية تتصاعد يوماً بعد يوم. وإننا نرى ذلك اليوم في الكثير من الدول منها تونس وسوريا ومصر وليبيا والعراق. وبالطبع فإن أكثر المتضررين والمتأثرين من هذه الحروب هي الأمهات والنساء.
أما العائلات التي هاجرت من مدنهم وقراهم أي هاجروا اوطانهم ليستقروا في معسكرات الدول المجاورة فهي ايضا اخذت قسطها من المعاناة وخاصة ما يتعلق بصدد الاغتصاب، فالكثير من استقروا في معسكرات اللاجئين في الاردن والعراق وتركيا.
والانكى من كل ذلك بان بعض الدول مثل تركيا أمدت بالأدوية والحقن المثيرة للغرائز الجنسية للجنود المحاربين ضد الشعب، وهذا ما ظهر وشوهد في مدينة سري كانية حيث وجد على جنود جيش الحر والكتائب التي سمت ذاتها بأسماء كثيرة والتي كشف بعد انهزامهم في المنطقة بـأن مصدر هذه الأدوية والحقن كانت الدولة التركية بحيث هي من أرسلت لهم بهذه الأدوية والحقن، وذلك بهدف إثارة غرائزهم الحيوانية. فإن الانحطاط قد وصل إلى هكذا مستوى أي أن الدولة تعمل أو تشجع على الاغتصاب وتروج له بشكل ممنهج. إنه بالفعل أمر بعيد كل البعد عن الأخلاق الإنسانية.
نتائج الحروب دائما تكون وخيمة وقاسية وتخلق معها الكثير من الامراض النفسية ومن أهمها ما ذكرناه وهو الاغتصاب. ونادراً ما يتم التوقف على مثل هكذا مشكلة أو هكذا مرض من قبل الأطباء والقليل ما يتم معالجته من قبل أطباء النفسيين وكثير ما نسمع بان هذه الظاهرة تكون عارا وخذي للعائلة، وفي النهاية إما الموت او بقاء طول العمر شاذة. وأكثرها تكون بين المجتمعات التي تكون فيها الذهنية السلطوية الرجولية هي الحاكمة عليها.
والمؤسف حتى الآن هو إنه لم تلعب أي مؤسسة لحقوق الإنسان دورا في هذه المسالة وحتى لم تتفوه بكلمة تنادي بحق المغتصبة أو حتى تسمع صراخها، وتحس بآلامها. لا العدالة ولا الحقوق الموجودة في الدولة لم تقوم بالمطالبة بأخذ حق المغتصبة من المغتصب بأي حال من الأحوال.
اذا كيف سنكافح هذه الظاهرة وكيف سوف نتصدى لهذه الثقافة؟
قبل كل شيء علينا المعرفة بان هناك إيديولوجية خلقت بذهنية الرجل المستمرة خمسة آلاف عام وإلى يومنا الحالي. يجب معرفة حقيقة التاريخ المدون بيد الرجل الماكر والمتسلط، إلى جانب التعرف على التاريخ الذي لم يدون حتى الآن بشكل جيد. وثانيا على كافة النساء معرفة حقيقتها التاريخية وبقدر معرفة تاريخها وحقيقتها الجوهرية، وبقدر ما ارتفع مستوى وعيها، وقتئذ فقط يمكن القول بأنها تمتلك قوة إعطاء المعنى لوجودها ككيان ضمن المجتمع بهويتها الجنسية.
وبنفس الوقت عليها معرفة حقيقة الرجل وتحليل ذهنيته بشكل سليم وصحيح، وقتها نستطيع القول بان المرأة قادرة على حماية نفسها وذلك بتسلحها العلمي تجاه جميع تصديات وهجمات نظام الرجل.
والنقطة المهمة التي يتطلب من جميع النساء في هذه المرحلة الحساسة هي تصعيد وتيرة تنظيمها والتجمع حول حركة تحرر المرأة، والانضمام إلى الأكاديميات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لتوعية نفسها أكثر. وتصعيد العمليات الديمقراطية التي تنادي بحق حرية المرأة وتنادي بإيقاف العنف ضدها وخاصة تصعيد العمليات ضد ثقافة الاغتصاب والحد منها، وكما يقول القائد عبد الله أوجلان بقدر ما تحررت المرأة تحرر المجتمع، وخًلق مجتمع سياسي ديمقراطي يعمه المساواة والحرية والديمقراطية، وعلى كل امرأة ان تعلم بـأن حمل ومسؤولية هذه المرحلة تقع على عاتقها لأنها هي الأساس وهي الطليعة للمجتمع الديمقراطي الكونفدرالي.