حرية المرأة ستعلب دوراً مصيرياً في فجر الحضارة الجديدة...
دنيز كرار
منذ بداية التاريخ وحتى يومنا هذا جميع المؤشرات تؤكد وتثبت على إن المعابد السومرية كانت المركز الأول لتطوير وتقدم الإنتاج المادي والإبداع المعنوي وقد تشكلت الحضارة والدولة والمدنية على هذا الأساس، واستطاعت أن تزدهر بشكل كبير، ولا يوجد أي مثال في تاريخ الإنسانية تشير إلى إن الإنتاج قد حقق نفسه قبل أن يكون الكاهن مركزاً للمعبد، وبهذا نستطيع القول إن القوة الإيديولوجية للمجتمع وآلهته ودينه هي مؤسسات لا يمكن للإنتاج أن يتخلى عنها أبداً، وهذا الشيء مؤكد في مرحلة الميلاد الأولى على الأقل.
يعتبر جمع القوت الظاهرة الأولى للاقتصاد؛ وهذا الشكل من الاقتصاد متأثرة بطوابع الحياة الاجتماعية والفكرية للمجتمع الطبيعي. حيث يجمع ما يكفي لكلان أو القرية، وتلعب المرأة الدور الأساسي في هذه الظاهرة. فجميع منتجات ذلك العصر هي في الأساس من إنتاج المرأة كجمع الثمار وتجفيفها وصنع النسيج وتحطين وتربية المواشي فكان للمرأة الدور الهام والأساسي في تنمية المجتمع. لكن مع مرور الزمن يتغير هذه الظاهرة ومع الاستقرار في القرية وتوجه الإنسان نحو المدن يظهر ظاهرة أنتاج القوت، ينتج معها الإنتاج الفائض وهذا الإنتاج يفتح الطريق أمام ظهور الملكية وظروف تأسيس المدنية واحتياج إلى الأخشاب والأحجار والمعادن يفتح الباب أمام التجارة، فيلعب التجارة كوسيلة الإنتاج أو الاقتصاد الأساسي للمدنية يلعب دور الأولي في تنشيط هذه الظاهرة.
فمع التقسيم ضمن المدنية والمعابد وأخذ شكل الدولة المركزية يظهر علاقات الإنتاج وسائل أنتاج عديدة ومختلفة، و يظهر ملكيات الخاصة مع الملكيات العامة وهذا يفتح مجال أمام الحروب الاستعمارية.
للمرأة دور كبير في تطوير وتقدم الإنتاج، لعبت المرأة منذ بداية فجر التاريخ وحتى يومنا هذا دوراً عظيماً، في بناء الحضارة الإنسانية، واستطاعت المرأة أن تصبح العامل الأساسي في خلق الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فهي التي قامت بتغذية المجموعات الصغيرة، كذلك كانت السبب الأساسي في وصول الإنسانية إلى حياة خلاقة من خلال قيامها بإبداعات واختراعات في الطبيعة، فهي التي عملت على تطوير الإنتاج من خلال قيامها بزراعة النبات وتربية الحيوانات، بذلك كانت الأم الآلهة هي القوة التي تستمد منها الحياة، فكانت على قرار كبير في حياتها، ولأن الذكاء العاطفي كان في الأمام لدى المرأة استطاعت أن تصبح المركز الأساسي في المجتمع، والكل يأخذ برأيها في جميع الشؤون الاجتماعية والاقتصادية، فهي صاحبة خبرة كبيرة في تفاصيل الحياة الاجتماعية، وبشكل خاص ضمن المجتمع الطبيعي، فمبادئ التي كانت تتحلى بها المرأة كثيرة، الحب الارتباط بالأرض، حب الوطن، الشفة على الأطفال، التأثير الحاسم للأم في الإنتاج وقدرتها على الإنجاب أدى إلى أن تكتسب أهمية خارقة مما فتح الطريق إلى عصر الإلهات (الآلهة الإناث) لأن المرأة تكتشف وتخترع كثيراً. والمرأة هي التي كشفت النباتات المفيدة والأشجار المثمرة وقامت بتربية الحيوانات وعملت في الأرض وبنت البيت وغذت الأطفال واخترعت الطاحونة اليدوية الأولى وربما العربة الأولى، أي أن عصر الإلهة الأنثى يأتي بعد هذه التطورات المذهلة ليرمز إلى الدور العظيم لها.
أن المرأة حققت الثورة الزراعية في منطقة قوس زاغروس ـ طوروس، فكانت هي مركز الحياة فالمرأة التي تعرف نفسية الطفل أكثر من الرجل، والتي هي أكثر وجدانية منه، فقد وصلت في هذا اليوم إلى وضع لم تستطيع القيام بدورها كأم بسبب جهلها وعدم توفر الإمكانيات اللازمة لديها، أما أنظمة الدولة الآمرة فهي بلا شكل غريبة عن عالم الطفل تماماً، فحتى لو نظرنا من خلال هذا الإطار العام أيضاً نجد بأن الضرورة تقتضي إخضاع حقوق الطفل لتعديل شامل، وينتظر إعلان حقوق الطفل والتي تتخذ من حنان الأم والسلام ولا سيما حقوق التعليم والصحة واللعب، كمهمة عاجلة يتطلب تنفيذها دون تأجيل.
فمع ظهور المجتمع الطبقي ودخول السلطة بيد الرجل عن طريق أخذ الإنتاج الزراعي والحيواني من يد الآلهة الأم، أصبحت المرأة ضعيفة وهزيلة وصاحبة أدوار بسيطة في المجتمع بعد أن كانت هي قوة الحياة وأساسها، فمع تقدم النظام الرجولي الحاكم، يصبح الاقتصاد والتجارة من أعمال الرجال بعد أن كانت المرأة هي المنتجة وهي التي تعمل على تطوير الإنتاج في المجتمع الأمومة، إن المرأة بجهدها أبدعت الزراعة وروضت الحيوانات؛ وهي أيضاً أم للأطفال التي تلد، نالت قدسية كبيرة في التاريخ. وبمعنى آخر فهي القوة الخالقة للحياة. الطبيعة هي الأرض الأم، إن تمثيل الآلهة الأم للمرأة كقوة تكتشف منتوج الأشجار والنباتات والطبيعة، يمهد السبيل إلى عمق المعنى كطبيعة طبيعية. إن أهمية المرأة ـ الأم المتزايدة بشكل طارئ قد أدت إلى تفوق بارز على الرجل، وإن كان دور الرجل قوياً عندما كان الصيد هو وسيلة العيش السائدة، لكنه بسبب تراجع الصيد إلى المرتبة الثانية، نرى هنا بأن الرجل قد ضعف كثيراً. إن تاريخ المرأة يعني تاريخ البقول والأبقار وأشجار الفواكه وأدخنة القرى والنسيج والطواحين الصغيرة، والنظام السائد كان أساسه الاحترام والمعتمد على الجهد والآلهة، وتاريخ أنظمة البيت التي تؤسس، والأطفال الذين يكبرون والمنتوجات التي تخلق بالجهد المنزلي، وهذا يعني تاريخ الانتقال من الإشارات البدائية إلى لغة غنية، وإلى المصطلحات التي تعتمد على وسائل الإنتاج والتي تعبر عن مغزى، وبالتالي إلى تكوين ذهنية الإنسان. لكن بعد الصراع الذي تم بين الرجل والمرأة وضعفت دور المرأة، أنكمش مكانة المرأة في الإنتاج، وبدأ دور المرأة ينحصر في البيت مع مرور الزمن، وأستمر ذلك إلى وقتنا هذا. بهذا المعنى، أهملت مكانة المرأة خلال تدوين التاريخ وتحويلها إلى المصطلح لتظل بعيدة عن الموقع الذي تستحقه، وهذا أمر مؤكد وغير قابل للنقاش. إن تكامل سيادة الرجل مع مرحلة الحضارة وإبعاد المرأة عن المؤسسات التحتية والفوقية للمجتمع الطبقي، يعتبر أساساً لكتابة "التاريخ دون المرأة". أنه تحريف كبير باسم التاريخ ونتيجة لللامساواة بين الجنسين.
نستطيع أعطاء أمثلة كثيرة من التاريخ تؤكد فيها بأن المرأة كانت القوة المنتجة للإنتاج والاقتصاد، في جميع المراحل كما ذكرنا فوق دورها في عملية الإنتاج، ضمن المجتمع الطبيعي، نستطيع إن نأتي بأمثلة أخرى ففي عصر الحضارة الإسلامية، يلعب الأديان التوحيدية الدور الأساسي في تطوير الاقتصاد وخاصة التجارة ويلعب محمد والإسلام الدور البارز في ذلك. والمرأة التي كانت تدعى خديجة بنت خويلد والتي كانت زوجة محمد (ص) هي التي علمت النبي محمد على التجارة بين مكة والشام فهي التي كانت صاحبة أموال ورأسمال استطاعت تطوير التجارة في عصرها. وتقوم على إدارة القوافل التجارية في عصرها. كانت تمتلك أكبر قافلة تجارية، إنها كانت امرأة قوية وغنية في عصرها وأستمر دور المرأة في تطوير الإنتاج لفترة طويلة، لكن اليوم باتت بعيدة عن أصغر دور لها في المجتمع نتيجة سلطة الرجل الحاكم والذهنية الرجعية لنظام الحالي.
فالسلطة الرجولية هي التي أوقعت بالمرأة في هذه الحالة التي هي الآن فيها بعيدة عن كافة الأعمال والمشاريع الاقتصادية العالمية الكبيرة، باتت كلها بيد الرجل ويرونها ملكاً لهم، فاليوم لن تستطيع المرأة القيام بأي مشروع اقتصاد تقوم على إدارته وتطويره، كل هذا نابع من سياسية النظام الامبريالي الحاكم التي يسعى دائماً إلى إبعاد المرأة عن الاقتصاد والمشاريع التجارية، بعد تركها معرضة لضرب والظلم، وجعلها تتعامل مع كل الأمور البسيطة في المجتمع. فالمرأة قوية ولديها فكر واسع، على المرأة الانضمام إلى الحياة، بفكرها وذهنها، إنها تستطيع القيام بنشاطات وأعمال كبيرة في الحياة الاجتماعية، وكما قال القائد آبو في توجيهاته الأخيرة، ( المرأة منبع الحياة، المرأة تعني الحياة، المرأة مركز الحياة، أن لم تكن المرأة لا تصبح الحياة، لأنه تماسس السلطة والاقتدار على جسد المرأة، بنت النظام الرأسمالي أساس أعمدة الحكام والمسيطرين على المرأة، كما أدلى في توجيهاته عند ما قال: (الاقتصاد هو من عمل المرأة، أريد أن أقوم بتحليل الاقتصاد، يتم تأسيس الاقتصاد في التاريخ لأول مرة من جانب المرأة، ووضع النظام الرأسمالي الحداثوي كل شيء تحت سيطرته وبين يده وأخذها من المرأة وأعطاها للرجل، تربية الأطفال، وحمايتهم وصنع الطعام من أعمال المرأة، لا يفهم الرجل شيء من هذه الأعمال، أخذ الرجل هذه الأعمال من المرأة ووضعها تحت حاكمته، الاقتصاد يعني المرأة والمرأة هي الحياة، أخذ النظام الامبريالي الاقتصاد من المرأة ووضع العالم كله من بيده وفي خدمته، نعم حرية المرأة حرية العالم، بدل أن تكون المرأة محترمة مقابل الرجل يجب على الرجل أن يكون محترماً مقابل المرأة حاكمية الرجل على المرأة ليست بعدالة، لذلك يجب أن ينهزم، إذ أرادت المرأة تستطيع أن تغير العالم بأكمله، تستطيع المرأة لعب دور كبير في العمليات والتظاهرات الديمقراطية).
لهذا حرية المرأة ستعلب دوراً مصيرياً في فجر الحضارة الجديدة، ويمكن عيش عصر المرأة الحرة في أعلى مستوى مرة أخرى. ستلعب حرية المرأة الدور الهام في المساواة والتوازن لقيام أعمدة الحضارة الجديدة. وستأخذ المرأة التي همشت في التاريخ منذ تفسخ المجتمع الطبيعي، موقعها ضمن شروط الحرية والمساواة، وإعادة الاحترام لها، ولأجل ذلك سيتم إنجاز كافة الأعمال النظرية والبرمجية والتنظيمية والتطبيقية. إن قضية المرأة عبارة عن موضوع مجسد، ويمكن تحليلها. ويمكن القول: بأنه سيتم تحديد التحول الجذري في المجتمع من خلال التحول الذي ستحققه المرأة. كما أن مساواة وحرية المجتمع بكافة فئاته وشرائحه تتناسب طرداً مع مساواة وحرية المرأة. وسيلعب التحول الديمقراطي للمرأة دوراً بارزاً في ترسيخ ديمومة الديمقراطية والعلمانية. يبين هذا تعرفنا المختصر المتعلق بظاهرة المرأة، أن الحركات الاجتماعية الجديدة ستعيش وضعاً مميزاً بإضفاء لون المرأة عليها.