النساء

المقاومة الكردية نقضت ادعاءات أن المرأة والسلاح لا يجتمعان...

حوارها حسين عفريني

المرأة نصف المجتمع، ليست مجرد مقولة جوفاء نردّدها بدون معنى، إنها واقع نحياه في دقائق وتفاصيل حياتنا اليومية في روج آفا. نعم إنها المرأة التي غيّرت فينا الكثيرمن الخصال والصفات التي طالما اعتبرناها مسلّمات ومقدّسات لن يأتيها الباطل من أمامها ولا من خلفها، تلك هي إرادة المرأة الكردية الحرة التي خلقت معها ثورة اجتاحت خلايا تفكيرنا السمج، وأوصلتها إلى مستويات راقية ومتقدمة جدا.ً في الذكرى السنوية لعيد المرأة العالمي، أردنا الغوص قليلاً في تاريخية نضال المرأة عبر العهود المتعاقبة من الظلم والحيف الذي لازمها طيلة معاناتها التي لم تندمل جروحها المتيقحة بعد، حملنا أسئلتنا إلى السيدة إلهام أحمد عضو اللجنة التنفيذية في حركة المجتمع الديمقراطي TEV – DEM لتجيب عليها مشكورة، وفيما يلي نص الحوار:

– في البداية نبارك لكم عيد المرأة العالمي، إذا ما توغلنا في التاريخ قليلاً نجده موغلاً في التنكر للقيم التي خلقتها المرأة في بداية التكوين المجتمعي البشري، إلى جانب الإجحاف والجور الذي لازمها حتى باتت إنسانة من الدرجة الثانية، ضمن هذه اللوحة التراجيدية ما مغزى عيد المرأة؟

 الهام أحمد: بداية نبارك هذا العيد على جميع النسوة في العالم، وبالأخص تلك المكافحة التي لم تفترّ عزيمتها في مواصلة نضالها في تحقيق المجتمع الديمقراطي المنشود، ومنهن من أفدين بأرواحهن على هذا الطريق. إنّ تخصيص 8آذار كيوم للمرأة العالمي يمكن فهمه في سياق يقظة المرأة تجاه المطالبة بحقوقها التي سُلبت منها، وهو مناسبة لتضافر نضال المرأة في سبيل الوصول إلى حريتها وتجاوز حالة الإنكار واللاعدالة التي أقحمت فيها المرأة عنوة، وهو بحدّ ذاته وبرمزيته يدلل على السوية النضالية التي وصلتها المرأة طيلة تاريخها الكفاحي الطويل المليء بالآلام والمعاناة للوصول إلى حريتها. مصطلح ( JIN ) في الأساس مصدره الحياة ( JIYAN) والتجديد والخلق والإبداع، ولهذه الخصائص المتأتية من خلق الحياة سميت ب ( JIN). والحياة لا تستقيم ولا تأخذ معناها الحقيقي في الحرية والعدالة بمعزل عن المرأة التي وهبت نفسها لها. ضمن هذه الصيرورة يمكن أن نبدي مقاربات صحيحة لحقيقة عيد المرأة، وليس مجرد احتفال كرنفالي نفقده معناه الحقيقي.

– اللوحة الخماسية التي مرّت بها البشرية وفق تقسيم المؤرخين وعلماء الاجتماع (المشاعية، العبودية، الإقطاعية، الرأسمالية والاشتراكية) لم تمنح المرأة المكانة التي تستحقها في مجتمعاتها، في نظرية الأمة الديمقراطية، كيف يمكن فهم التحول الذي طرأ على مفهوم تحرّر المرأة، مقارنة باللوحة التي ذكرناها آنفاً؟

 أحمد: كافة الأنظمة التي طرحت نفسها كبديل لسابقاتها، نادت بالحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية، لكنها جميعاً انزلقت إلى مستنقع الدولتية السلطوية التي همّشت معها المجتمعية برمّتها، وهي لم تجد أمامها سوى الدولة للوثوب على السلطة. وبمجرّد ظهور مفهوم سلطة الدولة هذا يعني تقسيم المجتمع إلى طبقات وفئات مستغِلة وأخرى مستغَلة، واستفراد فئة صغيرة بفرض هيمنتها على المجتمع، ما جرّ معه مفهوم حاكم ومحكوم. ولا تختلف الصورة بين هذا النظام الدولتي أو ذاك، وسمِّها ما شئت، رأسمالية، عبودية كانت أم اشتراكية أم ليبرالية. في الأساس لا يمكن الجمع بين الدولة والديمقراطية، وبين الاشتراكية والدولة أيضاً. في هذا الصدد يقول قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان: « الدولة الديمقراطية هي كذبة، الدولة الاشتراكية أيضاً كذبة، لأنه مجرد الحديث عن الدولة يعني وجود دكتاتورية وسلطوية، مادامت الدولة موجودة لا توجد ديمقراطية ولا توجد اشتراكية أيضاً، لأنهما على طرفي نقيض ». لذلك الدولة المعتمدة على التصنيف الطبقي لا يمكنها تحقيق حرية المرأة. ومعظم الثورات والحركات الحاملة لفكرة تحرر المرأة وطيلة التاريخ البشري لم تستطع منح المرأة حريتها وتحقيق العدالة المجتمعية، فقط استبدلت القوى المهيمنة والسلطوية بأخرى لم تتميز عن سابقاتها بشيء. ما طرحه القائد APO في نظرية الأمة الديمقراطية، هو أنه يطرح بديلاً ديمقراطياً لنظام مجتمعي جديد النشء لا يستند إلى الدولة، بل يتصارع معها وينفيها ويزيلها شيئاً فشيئاً بحيث تدخل مرحلة الاضمحلال والذوبان في بوتقة الأمة الديمقراطية. المجتمع البعيد عن السلطوية وهيمنة الدولة تتمتع فيه جميع الفئات من الأطفال ومروراً بالمرأة بحقوقها كاملة وهي مصونة من أي تعدٍ عليها، حتى البيئة مصونة من العبث والانفلات اللاعقلاني في استثمارها وحمايتها من جشع الإنسان. ويجب أن نتذكر دائماً أن مركز هذا النظام الديمقراطي هي  المرأة الحرة وهي أسّ البناء وأحد ركائزها الأساسية. لذا هنا يكمن الفرق بين الأمة الديمقراطية والأنظمة الدولتية السالفة الذكر، فهي تنكرت لحرية المرأة واستغلت هذا المفهوم لتمرير سلطتها وبالتالي مصادرة حرية المجتمع أيضاً، والأمة الديمقراطية وحدها تستطيع معها الثورة الاجتماعية الوصول إلى أهدافها في الحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية المبتغاة.

– النظام الرأسمالي والليبرالي يدّعي أنّه منح وضَمِنَ الحقوق الفردية ومنها حقوق المرأة، ولكن في الحقيقة هو أكثر الأنظمة الدولتية التي صادرت وقمعت حرية المرأة تحت شعارات ومسميات عدة، أنتم كيف تنظرون إلى ذلك؟

أحمد: النظام الرأسمالي أسس نفسه على الصناعوية والتمسك بالنظام الدولتي كأداة لتكريس سلطته وهيمنته على المجتمع، وتصوير نفسه على أنه النظام الأرقى والأكثر تحضّراً والأبدي، واعتمد على الاحتكار كسمة أساسية لتوسّعه في مجال السياسة والاقتصاد والثقافة وكل شيء في المجتمع. رغم أنه أكثر الأنظمة التي رفعت شعار حرية المرأة، إلا أنه كان وما يزال أكثر الأنظمة التي قيّدت المرأة وقمعت حريتها عبر الترويج لمصطلحات وعبارات براقة تخدع من خلالها المرأة وتصور نفسها وكأنها النظام الذي منحها حريتها وحقوقها كاملة. الدعاية المبتذلة التي تنتهجها الرأسمالية انتقصت من قيمة المرأة كإنسانة، وسلبتها جوهرها الحقيقي والنقي. فهي التي تدّعي أنها حققت للمرأة رفاهيتها المطلقة عبر ربطها بعجلة الصناعوية التي قضت على فرص بلورة شخصيتها وكيانها، وتمرير نظام تعليمي للمرأة بحيث لا يترك أمامها أي خيار لإنماء ثقافتها والعيش بمعزل عن القيود المفروضة عليها. فالادعاء بتنمية الحريات الفردية، وأن الفردية مقدّسة ولا يستطيع أحد المساس بها، أنتجت لثقافة أحادية كرّست لاستغلالية مقيتة، وصهرت المرأة والمجتمع برمته في بوتقة مصالحها. فالكل أحرار في فضاء مصالحها وأهدافها، أما خارجها فهي لهم بالمرصاد. لقد استغلّ النظام الرأسمالي المرأة عبر توظيف التقدم الذي حققته في ميادين التطوير التكنولوجي، فربطتها بألف قيد وقيد، فهي تضع أمامها خيارات محدّدة وعليها أن تختار إحداها، بمعنى الدوران في فلكها لا أكثر، فهي تتحكم حتى بأذواق الناس، وتطور لنوع واحد فقط من التطور، وترفض وتقمع عبر آلياتها الخاصة بها أية محاولة للخروج عن الفلسفة الحياتية التي تفرضها على المجتمع. إنّ تعدّد أشكال استغلال المرأة في النظام الرأسمالي جعل منها سلعة كأي سلعة أخرى في عجلة إنتاجها، فهي عارضة لأزيائه، وهي المروجة لموديل حديث لسياراته أو نوع جديد من دواء للغسيل، إلى درجة اقتناع تلك المرأة التي تعمل للترويج في إعلاناته ودعاياته أنها الأجمل وفق المعايير التي وضعها لها النظام الرأسمالي، وأنها اختيرت من بين الكل لتحقيقها تلك المواصفات التي وضعتها فلان شركة أو مصنع.

– ما هي المعايير التي وضعها النظام الرأسمالي ليتخذها المجتمع وعلى رأسها المرأة كجزء من السعي الحثيث نحو امتلاكها وبالتالي الانسجام معها؟

أحمد: روّجت الرأسمالية لعدة أشكال من الدعاية على أنها تمثل الشكل الأرقى والأكثر تحضّراً للمرأة العصرية، مثل لون الشعر ولباسها وطولها ولونها ووزنها، عبر وضع معايير تفرضها بواسطة ماكينتها الإعلامية الضخمة، بحيث تضطر معها المرأة الركض وراءها – من حيث تدري أو لا تدري – وتبدو يوماً بعد آخر جزءاً من ثقافتها. وهو ينشر نوع من الخطاب الاجتماعي المبتذل والكلمات التي تبدو وكأنها جزء من التحضر والتمدّن، وأن من يعيش خارجها ولا يمتلك تلك المواصفات فهو متخلف وسينظر إليه المجتمع نظرة دونية.

 – إلى أيّ حدّ تأثرت المرأة الكردية بتلك الثقافة الرأسمالية؟

أحمد: كان تأثير تلك الثقافة على المرأة الكردية حتى قبل ثورة 19 تموز 2012 بليغاً، لأنّ المجتمع الكردي جزء من المجتمعات الشرق أوسطية تتأثر وتؤثر فيها، والثقافة الدينية والاجتماعية المتخلفة متغلغلة فيه نوعاً ما. رغم أنّ المجتمع الكردي والمرأة بالذات أبدى مقاومة نوعية وخاصة ضدّ الضخ الإعلامي اليومي والمنقطع النظير للمنظومة الرأسمالية – المتفوقة في هذا المجال – حتى أنها تتحكم بالهواء الذي تتنفسه المرأة، وصولاً إلى البرامج التلفزيونية التي تضخّها عبر الأثير وحتى التحكم في أذواقنا في المأكل والمشرب.

 – هل يمكن القول إنهم يمثلون المركز ونحن الأطراف؟

أحمد: هذا صحيح، الرأسمالية تحاول أن تكون مركزاً في تفكير وعقول كل فرد منّا، بالطبع هي تورّد لنا ثقافتها الاستهلاكية، فتستغل وسائل الإعلام وتوظفها في خدمة مصالحها لنشر ثقافتها وأخلاقياتها الهابطة. وهنا شئنا أم أبينا، فإن المجتمعات تتأثر بتلك الثقافة الوافدة إلينا من المراكز القوية التي تمتلك كل وسائل الترغيب والقبول لدى الصغار والكبار على حد سواء. فهي تتلاعب حتى في أحاسيس وعواطف المرأة والأفراد عموماً، ففي هذه المنظومة التي ألغت المجتمعية بكافة أشكالها، بحيث لم يعد الولد يعترف ويحترم والديه ومن حوله، هي ثقافة غريبة عن ثقافتنا ولا تنسجم معها مطلقاً. المرأة الكردية عانت من هذه الثقافة، وأحدثت فيها تغييراً بنيوياً وفي العمق، بحيث تتكلم الكردية ولكن فكرها وأسلوب عيشها يتبع تلك الثقافة وتقلدها وهي مرتاحة الضمير ومتباهية بها إلى حدّ ما، بحيث توحي وكأنها وصلت إلى مرحلة الانسجام معها ووجدت فيها ضالتها المنشودة. والثقافة الرأسمالية تزيح وتلغي كافة الثقافات الوطنية والمحلية والمتعلقة بجذورها وتظهرها وكأنها متخلفة ولا يجب التمسك بها، وتزرع عوضاً عنها ثقافتها السوقية على أنها الأكثر تحضراً ورقياً. ليصل معه المجتمع إلى مستوىً من الاغتراب الكلي والركض خلف الثقافة الرأسمالية ولينعت ثقافته بالرجعية والمتخلفة وليظهر أنها موضع خجل، فيتهرب منها ولا يعترف بها.

 – ما الذي يدور في خَلد تلك المرأة الواقعة تحت هيمنة الثقافة الرأسمالية؟

أحمد: هذا النموذج يحاول دائماً تمثيل تلك المعايير التي فرضتها الثقافة الرأسمالية، وهي بهذه الحالة تعيش حالة انفصام مع واقعها وبيئتها التي تحيا فيها، لأن هذا النموذج من النسوة يجدن حقيقتهن ضمن تلك الثقافة، لكن في الحقيقة تعيش اغتراباً داخلياً وخارجياً صارخاً، ولا تمتّ لجذورها التي انحدرت منها مطلقاً، وهي تفتح المجال أمام اتساع الهوة المجتمعية وانعكاسها على من حولها ونشرها لتلك السموم القادمة من الخارج.

– عندما نقارن المرأة المنحلة في الثقافة الرأسمالية بكلّ تفاصيلها، بتلك المتمسكة بانتمائها وبجذورها ومجتمعها، ماذا يمكن أن نلاحظ؟

أحمد: بالطبع هي تنظر إلى المرأة التي لا تنسجم معها في السلوك والرؤية والمأكل والملبس والعلاقات الاجتماعية بأنها غارقة في التخلف، ولا تواكب العصر وحتى غير جديرة بالاحترام والاهتمام. والمرأة المتحضرة والعصرية هي من تلحق بركب الحضارة الغربية، والعيش وفق الطراز الغربي. حتى أنها تقيّم المجتمع ككل وفق هذه النظرة القاصرة والمتعالية في ذات الوقت، وهنا تظهر الهوة واسعة بين هاتين الرؤيتين. وأغلب من يرغبون في العيش في الخارج يمثلون ذاك النموذج المغترب، بحيث أحدثوا شبه قطيعة مع انتمائهم وجذورهم الوطنية، وهم في حقيقة الأمر يعيشون جهالة فكرية وثقافية، ولكن نعتقد أن ذاك النموذج المغترّ واللاهث وراء المظاهر في ضمور وانحلال يوماً بعد آخر.

– ما هي رؤية الأديان إلى المرأة وحقوقها، برأيكم هل حصل أي تطور في نظرتها إليها في وقتنا الحاضر؟ أحمد: إنّ ظهور الأديان كان على أساس المحافظة على لون وجنس واحد وهو الذكر، وهذه الذهنية طبعت معظم الأديان من حيث تكريس لسلطة الرجل مقابل إنكار حقوق المرأة، وهذا بدا ظاهراً من خلال التفاسير المتباينة للآيات والنصوص الدينية، التي نعتقد أنها بالأساس لا ترمِي إلى ذلك. وهنا نلاحظ أنه جرى ليّ عنق النص الديني لصالح السلطة مرة أخرى، وهذا نلمسه في معظم الأديان بعد وفاة رُسُلها أي تحوّل الدين إلى دين سلطوي، وهذا يسري على جميع الأديان بدءاً من اليهودية وحتى الإسلام. الأديان لم تنصف المرأة، وهذا مرّده إلى الذهنية التي تأسست وفقها الأديان. ففي الفترة الإسلامية صحيح أنه قطع مع عهد الجاهلية في أمور وأد البنات وما إلى ذلك، ولكننا لا نستطيع أن نقول إنه أعطى الفرصة للمرأة لكي تتمتع بكافة حقوقها وتكون ذات كيان في مجتمعها، استمرّ نظام السبي والجواري حتى في فترة ازدهار الإسلام، وكرّس لتعدّد الزوجات أيضاً. وصور الإجحاف بحقها متعددة « للذكر مثل حظ الأنثيين، شهادة رجل مقابل شهادة امرأتين...الخ ». والأديان عموماً كرّست لسلطة الرجل الأحادية، ولم تتمكن من تحقيق العدالة الاجتماعية. وأبعدت المرأة عن شغل مسؤولية الإدارة وتطوير المجتمع، وكأن الرجل وحده ضليع بهذه المسؤولية،  فقط تنحصر مسؤولية المرأة في تدبير أمور المنزل وتربية الأولاد. للأسف الأديان رسخت هذه الثقافة الأحادية الجانب. لكن حقيقة الأمر غياب المرأة في المنزل وخارج المنزل يترك فراغاً كبيراً لا يستطيع الرجل وحده ردمه وملأه.

– ما هي التحولات التي أحدثتها مشاركة المرأة الكردية المقاومة والمناضلة بفعالية في ثورة 19 تموز؟

أحمد: انطلقت الثورة اعتماداً على مشاركة المرأة فيها وبقوة، كافة النشاطات والفعاليات السياسية، الاقتصادية،  الثقافية وحتى العسكرية بدأت بها المرأة، اتساع رقعة الثورة ودخولها كل بيت، كان بجهود ونضال المرأة الكردية. وهي المرة الأولى التي تصل فيها المرأة إلى حقيقتها، وأدركت أنها بمشاركتها في الثورة ستخلق إرادتها المسلوبة منها، وفجّرت قواها الكمونية التي طالما اختزنتها طيلة سنين طويلة. لهذا كان انضمام المرأة إلى الثورة فعالاً وقوياً وعلى مختلف الأصعدة بدءاً من السياسة، حيث تمخّض نظام الرئاسة المشتركة في كافة المؤسسات التي انبثقت عن الثورة وخاصة بعد الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية بتمثيلوعادل ومنصف للمرأة، وهي ألقت بظلالها على المجتمع ككل، وكذلك لعبت المرأة دوراً هاماً على الساحة الدبلوماسية وأثبتت مقدرتها على خوض غمار هذا العمل وأن النجاح فيها لا يقتصر على الرجل فقط، فيما شهدت الساحة العسكرية انضماماً واسعاً للمرأة، وباتت موضع فخر واعتزاز العالم أجمع وليس المجتمع الكردي فقط، من خلال تضحياتها ومقاومتها لقوى الشر والعدوان، وبهذا أعادت لنفسها وللمرأة العالمية حضورها القوي ومنحتها الجسارة والإرادة بأنها قوة لا يستهان بها. ونقضت كافةالنظريات التي تدّعي بأن المرأة والسلاح لا يجتمعان؛ لتكوينها الفيزيولوجي والبنيوي، وأنها غير قادرة على حمل السلاح، ويمكنها أن تأخذ مكانها في الجبهة الخلفية كمُسعِفة وخادمة لإعداد الطعام، وليس في الجبهات الأمامية كمقاتلة مثلها مثل الرجل، وأصحاب هذه الادعاءات يتبجّحون بأنّها لائقة لتكون رمزاً للسلام، ولكن نؤكّد بأنّ المرأة وبالمرأة وحدها يمكن إحلال السلام والديمقراطية المنشودة. وأثبتت التجربة أنّ حرب الحماية المقدّسة التي لا تشارك فيها المرأة تنحرف عن أهدافها ومسارها النبيل والراقي، وتنزلق إلى العنف الأعمى الذي يحصد المجتمع برمته. ونظراً للطبيعة الخشنة لدى الرجل فإن تلك الحرب التي يتفرّد فيها الرجل في القرار وفي كافة التفاصيل المتعلقة لا تؤدّي إلىنتائجها المرجوة منها، مرة أخرى المرأة هي التي تصوّب مسارها وأهدافها. لهذا السبب فإنّ الكرد في معاركهم يبقون ضمن إطار الدفاع عن النفس وتحقيق العدالة والحرية على عكس باقي القوى من «نظام ومعارضة » التي تقاتل فقط للقتل والتفرد بالسلطة، لذا أثبتت ثورة روج آفا إفلاس كافة النظريات التي تقضي بحصر دور المرأة في الأعمال المنزلية وإبعادها عن العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأثبتت أنّ أيّ عمل لا يكون للمرأة دور فيه يبتعد عن هدفه المنشود، ومشاركة المرأة الكردية في الثورة أكسبتها القدرة على إظهار قدراتها في القيادة والإدارة.

– العمل المنظم هو الأساس، في هذا الإطار كيف استطاعت المرأة إثبات دورها في الإدارة الذاتية؟

 أحمد: المرأة تتحمّل عبء تحمّل واجباتها العائلية من جهة، وإدارة المجتمع من جهة ثانية. مشاركة المرأة في الإدارة ليست وليدة اليوم، قبل عقود تناضل المرأة واستطاعت أن تكتسب الخبرة، فالمرأة التي ناضلت قبل 30 سنة، أصبحت اليوم بعمر 60 سنة ورغم ذلك مازالت تناضل، هذا يعكس ارتباطها بالقضية وفهمها للهدف ونضالها في تحقيق المساواة، وهذا يعطي الأمل للمجتمع والمرأة، ومشاركة المرأة في الإدارة هي مشاركة جوهرية رغم كلّ العوائق التي تجابهها ومن كافة النواحي، فلا توجد امرأة اليوم تقول إن هناك عائق أمامي للمشاركة في النضال وردّ الظلم عن نفسها، فاليوم توجد منظمات خاصة تدافع عن حقوقها وأصبح لها مجالس وكومينات، لذا استطاعت المرأة أن تمثل نفسها وتحقق هدفها. – تنظيم المجتمع يبدأ من الكومين، لماذا تمّ تشكيل كومينات المرأة بشكل مستقلّ، ألا يحدث ذلك شرخاً مجتمعياً؟ أحمد: تنظيم المرأة هو سرّ وجودها، وهذا الشكل لا يقسم المجتمع لأنّ هذه المرأة تأخذ مكانها في الكومين العام أيضاً وهذا يعطي نوعاً من الزخم للكومين العام والمجتمع، فالمرأة عندما تبدأ بحلّ مشاكلها بنفسها وتقرّر مصيرها بنفسها تستطيع إثبات نفسها، المرأة التي يصادر قرارها لن تتحرّر وبالتالي لن يتحرّر المجتمع لأن حرية المجتمع من حرية المرأة، فالمرأة التي تقرّر بنفسها حلّ مشاكلها تستطيع المساهمة في حلّ مشاكل المجتمع أيضاً ومن هنا جاءت ضرورة تشكيل كومينات المرأة.

– مسيرة المرأة العالمية بدأت من كردستان «ماردين » ما أهمية ذلك؟

أحمد: كردستان اليوم أصبحت مركزاً لتطوير الثورة الديمقراطية في العالم، نضال المرأة الكردية والكرد في كوباني وعفرين وتل حميس ضدّ الوجه القبيح للإرهاب والاستبداد والظلم الذي أرعب العالم بأسره، وانتصارها على الإرهاب، أظهر للعالم أنّ الكرد والمرأة الكردية هي التي تستطيع تحقيق الديمقراطية الحقيقة، وهذا ما جعل من تنظيم المرأة الكردية المثال الأعلى لكافة النساء في العالم، وخروج المسيرات في اليوم العالمي للمرأة من كردستان يعني أنّ المرأة الكردية أصبحت قدوة النضال الديمقراطي في العالم.

– ما الفرق بين المنظمات الفامينية وتنظيمات المرأة الكردية على الصعيد النضالي؟

 أحمد: التنظيمات الفامينية لم تستطع التخلّص من الذهنية التسلطية، لأنها تتقرّب من قضية المرأة كوضع فيزيولوجي « كجسد » وليس كذهنية، فمشكلة المرأة هي في الثقافة وكيفية تقبّل وضع المرأة في المجتمع، لذا فمشكلة المرأة هي في الوقت نفسه مشكلة الرجل أيضاً، أما حركتنا تناضل لتغيير الثقافة والذهنية، والثورة الواجب قيادتها هي ثورة ذهنية.

– بعض النساء ينتهجن نهج الانتقام من الرجل في فهمها لحريتها وحقوقها، ما ردّكم على هذا؟

أحمد: نسبة هذه النساء بسيطة وهو ناتج عن الفهم الخاطئ لمفهوم حريتها.

– بهذه المناسبة ما هي الكلمة التي توجّهونها للنساء وبالأخصّ للنساء الإيزيديات الأسيرات؟

أحمد: نتمنّى لكافة النساء تصعيد النضال والمشاركة الفعالة، ونتمنى للنساء الأسيرات اللواتي يواجهن التجاوزات والإنكار الحرية والمقاومة.

نشكركم لإجاباتكم على أسئلة صحيفتنا.