توحدت روحها مع روح أخيها وأرواح كافة شهدائنا ليغنوا مرة أخرى أغنية البطولة والحب...
شفين مراد بينغول
أتعرفون بان رفاقكم يرددون أسمائكم ويسردون ذكرياتكم دائما، يحلمون بكم في أحلامهم و ينادونكما، الم تكونا أختاً وأخاً، وكنتما عاشقان للحرية، ونقشتما اسمكما المقدس على جبال أمد، توحدتم مع مدينة أمد فأصبحتما كلاً واحداً، ورفعت أمد رأسها عالياً فخورة بكما، فمع كل حرف من اسمكما زادت قوة وإصراراً في المقاومة والنضال.
نعم كنتما الأنصارية والأنصاري الشقيقان، وأضفتما سحر جمالكما على سهول، وديان، جبال وأسطح مدينة أمد، أصبحتما صوت أبراج أمد، تلك الأبراج التي تحوي بداخلها التاريخ القديم لأمد، وتضيف الزينة التي لا مثيل لها على أحلام كل الأشخاص، والتي تصبح كعبة لأطفال أمد، لكي يأتوا إليها ويعلوا أصواتهم وهم ينظرون إليها.
ها نحن نعيش مرة أخرى في أيام فصل جميل، ونقوم مرة أخرى بتوحيد أمالكم ورغباتكم مع آمالنا ورغباتنا، وكأننا نريد أن نسلك الطريق نفسه عندما أردتما أن تصبحا صوتنا، نحن كذلك الأمر نريد أن نصبح صوتكما.
أنصارية جميلة وأنصاري جميل، كلاهما يتقاسمان الجمال نفسه، كلاهما يتقاسمان نعمة الصوت الرنان وشموخ العزة والفخر نفسه، كلاهما ولدا في المدينة الغالية(فارقين)، وكبرا على هدير أصوات مقاومة أمد. باور، اتجه بعمره الصغير جدا نحو جبال أمد، فقد أراد أن يصبح صوت الحرية، تجول في كافة أنحاء جبال أمد، وبالنسبة له كانت تحمل حبات كل شبر من تراب جبال أمد معاني من القداسة بداخلها، كان الرفيق باور يعبر عن أفكاره في نظراته التي يرمق بها كل شيء حوله، وأحيانا كان يعبر عن مشاعره عن طريق الغناء بصوته الجميل والنقي، كان يعبر عن مشاعره عن طريق نغمات صوته، لكن عندما كان يغني لم يكن بمستطاع احد رؤية وجهه، لأنه كان يغني في الليالي المظلمة أما عندما كان الوقت نهاراً فانه كذلك الأمر لم يكن باستطاعة الرفاق رؤية وجهه لأنه كان يدير ظهره ويبدأ بالغناء، فبالرغم من ان شخصية باور كانت عفوية وطبيعية في كل شيء، لكن في الوقت نفسه كان يخجل وتظهر علامات الاحمرار على وجهه عندما كان يبدأ الغناء، لذلك كان يدير ظهره للرفاق ليخفي علامات الخجل على وجهه، والرفاق بدورهم كانوا قد تعودوا على صفته هذه، وكيف لا، وصوت الرفيق باور كان يشعرهم بإحساس خاص ومميز، ذلك الإحساس الذي كان توأماً لصوته، كان يبعث في وجدان البشر الكثير من الأحاسيس العميقة والبعيدة، فصوت الرفيق باور كان يحمل في ثناياه آمال الحرية، نعم الأنصاري باور، استشهد في عام 1998 في أمد على جبال كورسة (Gorsê) أثناء التمشيط العسكري الذي كان يطلق عليه "تمشيط مراد" مع اثني عشرة من رفاقه الذين انضموا إلى عرس الشهادة معاً.
الأنصارية نوال، سلكت الطريق نفسه الذي سلكه قبل خمس سنوات أخاها باور، على أمل لقاء أخيها المناضل والسير معاً في طريق الثورة وتقوية النضال، لم يكن سعادتها وأملها يوصفان، وعندما اتجهت سنة 1998 بوجهها نحو الجبال، وصلت إلى الجبال بفرحة لا توصف، وبدأت تسال الرفاق عن أخيها، أي الأنصاري الغالي باور، كان الرفاق أمام فرحتها هذه عاجزين عن الجواب وما كان منهم إلا إبداء الصمت تجاه هيجانها هذا، فهي كانت لا تزال محملة بالمعنويات الكبيرة، وكانت كأخيها تمتلك صوتا رائعا وجميلا وعينان سوداوان، كان أملها بلقاء أخيها يمنحها هيجانا تعجز الكلمات عن وصفه، وهذا ما كان يصبح سببا في عدم قدرة أي أنصارية أو أنصاري أن يجد في نفسه قوة الذهاب إليها وإخبارها بخبر شهادة أخيها.
كان الصمت المؤلم والحارق للقلب يلف صمت الرفاق وهي كانت لا تزال تسألهم:"أين أخي"، إلى أن قام رفيق باستجماع كافة قوته وذهب إليها ثم قال:" كان الرفيق باور بطلاً"، وقع تلك الكلمة على نفس الرفيقة نوال كان ثقيلا ربما لم تستطيع أن تصدق تلك الحقيقة ولكن دموعها لم تستطيع أن تنتظر لتفهم حقيقة ما سمعته، حيث بدأت تتساقط بدون توقف، لكن الأنصارية نوال استجمعت قواها وقالت:"لقد أتيت محملة بأمل أن أقوم بتسرية نضال كبير، وكنت أريد القيام بهذا النضال بالتعلم من تجارب أخي، لكن لم تتحقق أمنيتي هذه، لكن الإحساس الأكثر قدسية بالنسبة لي أن أناضل وأحارب في الأرض التي حارب وناضل فيها أخي، فانا اعرف جيدا بأنه الآن يشاهدني ويسمعني، حبي لأخي كان بمقدار حبي لوطني، كان أخي باور مرشداً لطريق الحرية بالنسبة لي وسيكون كذلك من الآن فصاعدا أيضاً".
كان وقع آثار كلمات الرفيقة نوال على الرفاق بالغ الأثر، بالرغم من تحول الدموع في الحلق إلى غصات وعقد، وبالرغم من إحراقها للقلوب، إلا أنها كانت تبني وحدة المشاعر وثقة الفكر، حيث أن الأنصارية نوال كانت تتحول إلى صوت أخيها، وتبدأ المشي في الطرق المخصصة للمشي على حواف الجبال والتي كانت الطرق نفسها التي كان يسلكها أخاها الرفيق باور، وبالنيابة عن أخيها كانت تغني للورود، النبتات، الأنهار، الوديان، الجبال وكل رفاقها، كانت تسمع صوت سعادة أخيها ثم كانت تبدأ في الغناء معه بصوت واحد، فهي التي تعبر عن حبها ومشاعرها في نغمات صوتها.
اتخذت الرفيقة نوال من اسم رفيقها وأخيها باور كنية لها وبدأت تعرف باسم نوال باور، ناضلت في جبال كردستان لمدة طويلة، ولاحقا ذهبت إلى جبال مهد الإنسانية(زاغروس)، وهناك أرادت أن تصبح صوت أمل شعبها، وتجعل من صوت أمد وزاغروس صرخة واحدة، فالرفيقة نوال استشهدت سنة 2004 في زاب (Geliyê Zap) المرتبط بزاغروس عندما كانت تريد أن تأخذ رفيقة إلى الجانب الآخر من النهر، حيث تسقط في النهر وتستشهد، وبذلك توحدت روحها مع روح أخيها وأرواح كافة شهدائنا ليغنوا مرة أخرى أغنية البطولة والحب.
نعم أخت وأخ، سطروا أسمائهم على تاريخ نضال حرية الشعب الكردي، مثل كافة الأنصاريات والأنصاريين الأخوة والذين يناضلون منذ سنوات.