تركنّ وقعاً عميقاً في نفوس كل من عرفهنّ لأنهن كنّ ومازلن طليعياتنا وأمثلتنا المتفانية في سبيل الحياة الحرة والكريمة...
سرهلدان بوطان
كنت على معرفة مسبقة مع الرفيقة أدار منذ أيام الصبا كما شهدت الفترة الأخيرة من حياتها، حيث عشنا معاً تلك المرحلة في منطقة بستا التي تعتبر إيالة من إيالات بوطان. لذا يمكنني التعبير عن انضمامها للحياة التي كانت تتمثل في مستوى نضالها كمناضلة متطوعة لأجل الحياة الحرة. كانت أدار تنضب بالحيوية والنشاط وتسفر كل قوتها وطاقتها في سبيل تحقيق الحياة والنضال لأجلها. عهدتها مذ تعرفي عليها في أيام الشبيبة وحتى يوم استشهادها شابة مفعمة بالحيوية والطاقة، وشابة متعقلة بالحياة ومتفهمة لآلام شعبها ووطنها إذ أنها كانت تتقرب وفق هذا الوعي دائماً في حياتها النضالية.
في عام 2003 كنا سننطلق في دربنا نحو جبال بوطان التي هي حلم كل الأنصار وموطن الأبطال. حينها كانت الرفيقة أدار ضمن المجموعة المؤلفة للذهاب إلى بوطان إلا أن التنظيم كان يفكر بعدم فرزها إلى بوطان لماهية حقيقة وظروف الحياة المستعصية والوعرة هناك وكون الرفيقة أدار كانت تعاني صعوبات من الناحية الجسدية إلا أنها لم تقبل بذلك وأصرت إصراراً عظيماً في سبيل الذهاب والالتحاق بالمجموعات المتوجهة نحو بوطان.
وبالفعل وبالرغم من كل الصعوبات التي لاقتها خلال فترة الطريق إلى بوطان إلا أنها تحاملت على نفسها وأظهرت إرادة عظيمة لغاية وصولها إلى هناك. في مرحلة تواجدها في منطقة بستا وكابار كانت مثال يقتدي بها كل من عرفوها. فمعنوياتها وحيويتها وطواعيتها في الانضمام لحياة الكيريللا في تلك الظروف الصعبة كانت مثالاً لجميع رفيقاتها ورفاقها. كانت دائماً مصدر الثقة بصداقتها وإخلاصها لكل الرفاق شباباً كانوا أو شابات، كان كل الرفاق يؤمنون بصداقتها ويثقون بها كثيراً ويسرون ويعتزون برفاقيتها. فالجميع كان يرغب بالعمل معها لأنهم يثقون بحرص ودقة الرفيقة في كل أعمالها.
كان ما سردناه ما هو إلا بدايات تواجد الرفيقة أدار في بوطان حيث أنها لغاية ذاك الحين كانت قد تعمقت على ساحة الشمال وتعرفت على حقيقة الحرب الدائرة هناك عن كثب مما جعلها تزداد حباً وارتباطاً بالبقاء في ساحة الشمال والتعمق أكثر فأكثر على كيفية تطوير الحرب وإنشاء الحياة الحرة على أساسها. كانت الرفيقة أدار تستعد لأجل خطو الخطوات والذهاب إلى إيالة ماردين التي تتطلب تعمقاً كبيراً وانضماماً فعالاً من قبل كافة الذاهبين إلى تلك الأيالة. فهي كانت من بين المجموعة المختارة للذهاب إلى تلك الإيالة آنذاك. لذا كانت بدورها تستعد وتتلهف للذهاب وتسبر كل طاقاتها في سبيل ذلك. وبالطبع فاختيارها كان صائباً لأن الرفيقة أدار كانت صاحبة قوة وطاقة حزبية وتنظيمية مستقرة بحيث لم يكن في شخصيتها أي فراغ أو ثغرة من الناحيتين التنظيمية والحزبية بل على العكس من ذلك كانت مصدر الثقة من هذا الجانب. كانت الرفيقة أدار مناضلة على أهبة الاستعداد في كافة الأوقات ولكافة المهام. فقد كانت تقوم بتطبيق المهام الموكلة إليها وتنفذها بكل حذافيرها وعلى أكمل وجه. فهي الرفيقة التي لا تترك رفاقها لوحدهم مهما كانت الظروف والصعوبات. فغدت بذلك رفيقة أيام المحن والصعوبات.
اكتسبت ثقة الحزب منذ سنوات شبابها المبكر في ساحة الفعاليات الشعبية والجماهيرية وتسلمت على إثر ذلك مهام عدة من بينها مهمة الدليل أو المرشد التي تتطلب ثقة وإيمان وعقيدة راسخة بالقيم والمبادئ الحزبية والتنظيمية؛ فقامت الرفيقة أدار بتأدية هذه المهام أيضاً وعلى أكمل وجه. كان النجاح والنصر من أولى مبادئها في تأدية مهامها. فعُرفت بالمناضلة المتفانية لأجل حماية نهج الحزب والقيادة والشهداء. أدت مهامها بنجاح في أحلك ظروف النضال. كانت الرفيقة أدار ذو وقفة عتيدة صامدة وقد حافظت على وقفتها هذه حتى في مرحلة اعتقال القيادة، بحيث رغم تأثرها الكبير إلا أنها سكبت جل حقدها وألمها في قلبها وعرفت بأن طريق حرية القائد يمر من النضال والسعي والعزيمة القوية لأجل ذلك. مارست النضال في تلك الفترة بين الشعب بعزم وإرادة قويتين. كان الأمل يشع من عينيها والتفاؤل يعلو على وجهها لذا فإنها كانت مثال الكادرة المناضلة بين الشعب. أحبها الشعب وقدر نضالها وتأثر بوقفتها كثيراً. بذلك غدت الرفيقة أدار مصدر الثقة والإيمان وحامية فلسفة القيادة ونهج حزب الشهداء أينما تواجدت وفي أشد المراحل صعوبة.
وقفتها هذه في تلك المرحلة زادتها ثقةً بالذات. جعلها تقوم بالانضمام للحياة بخطوات أكثر ثباتاً وخلاقية. كانت الرفيقة أدار تثابر للسمو بعلاقاتها الرفاقية وتوطيدها وفقاً لمبادئ وركيزة الرفاقية الآبوجية. لذا لدى شعور أي رفيق أو رفيقة بصعوبة أو ضائقة كانت الرفيقة أدار تلبوا لمؤازرته وتقديم يد المساعدة والعون له أو لها. كانت مثال التواضع لرفاقها لا تبخل بشيء على رفاقها. لهذا يمكننا القول بأن الرفيقة أدار كانت مثال القدوة البطولية ومثال القيادية الشابة. فلا زلت أتذكر مثابرتها قبل فترة استشهادها في سبيل تحقيق حلمها بالذهاب إلى كابار مجدداً وماردين لاحقاً فغدت بروحها الطاهرة وحبها المفرط بحياة التنظيم والصداقة الآبوجية مثال القدوة الطليعية التي تنير دربنا.
لدى تذكري للرفيقة آخين وهي الرفيقة التي كانت مثالاً مثل الرفيقة أدار فكان لابد من رؤيتها في كافة الأماكن والأوقات لأننا عهدنا رؤيتها في كل حدب وصوب حتى في الأعمال والعمليات الحربية التي كانت تشن ضد العدو، فكانت الرفيقة آخين مثال الروح الاندفاعية والفعالية في شتى أزمان الحياة. لم تكن تعرف أية عوائق أو مستحيلات في دربها نحو الحرية والحياة. فهي المقاتلة الصنديدة والمحاربة العتيدة في نهج الحرية والتي تعاند في سبيل الالتحاق بكل المهام، بحيث كانت تمركز طاقتها في الانضمام للحياة بفعالية بكافة ألوانها وطابعها الخاص، وتشد همتها لتصبح محاربة ومقاتلة شديدة البأس في لحظات وساعات الحرب إلى أن أشتد بأسها بالفعل فباتت مقاتلة مقدامة في ساحة الحرب. فقد لقبت بالجنرالة الصغيرة لما كان لها من وقع وهيبة وحضور في المكان الذي كانت تتواجد فيه. كانت تحب منطقة بستا كثيراً بالأخص كونها واعية بالتضحيات الجسيمة التي قُدمت على مدى تاريخ الثورة في بستا والمقاومات العظيمة التي أبرزت في سبيل الحفاظ على خنادقنا في تلك المنطقة.
كانت تحب الغناء كثيراً بحيث كانت تتمتع بصوت جميل وحنون للغاية. كانت في كل مرة يجتمع بها الرفاق تطرب الرفاق بصوتها الجميل وتزرع فيهم روح المرح والتفاؤل. كانت تبارز وتتسابق مع الزمن في سبيل تطوير شخصيتها والحذو بشخصيتها لوقفة المناضلة المتفانية في سبيل الحرية والحياة الحرة، فعلى الرغم من سنين عمرها اليانعة واليافعة، كانت تعاند الزمن وتسير قدماً نحو تطوير شخصيتها.
ولدى ذهابنا إلى بوطان كانت الرفيقة آخين هناك، فقد استقبلتنا بنشوة وحماس كبيرين. ولكونها كانت أقدم منا في تلك المنطقة كانت ترى ذاتها مسؤولة في إرشادنا وتشجيعنا على تخطي المصاعب وكيفية التأقلم بسرعة مع ظروف المنطقة للانضمام للحياة بسرعة. بفضل جهودها وروحها الرفاقية المفعمة بالمسؤولية تغلبنا على المصاعب وتعودنا وتعرفنا على المنطقة وطريقة النضال فيها. كانت الرفيقة آخين تقول بشأن ذلك " عليكم التعلم والتعود على ظروف الحياة في بوطان بسرعة لكي تكونوا فاعلين في الحياة. فإن لم تتأقلموا بسرعة سوف يكون لعبكم لدوركم في الحياة ضعيفاً". كانت رفيقة زكية وشجاعة وجسورة بكل معنى الكلمة. كانت متقنة للعمل، وتؤدي مهامها بنجاح وعلى أكمل وجه. كانت حساسة ودقيقة تجاه أي نشاط تقوم به. كانت لها حاكمية مدهشة على جغرافية المنطقة إذ لم يكن يفوت عليها شيء فقد كانت تدقق في كل شيء. فيكفي أن تمر من مكان ما مرة واحدة فقط، بحيث كانت تحفظه وتتذكره جيداً. يمكننا القول بأنها قد توحدت مع تراب تلك المنطقة لدرجة يظن الإنسان بأنها قد ولدت وكبرت وترعرعت هناك. كانت محترفة في كل شيء صغير أو كبير. كانت معلمة الحياة.
الرفيقة آخين أو (الشمس)؛ كنت أشبهها دائماً بالشمس لأن كل ما فيها كان زاهياً كالشمس، فكنا تعودنا على إطلالتها في كل صباح. كانت فتاة شقراء ذات عيون عسلية تشع نوراً. كانت مفعمة بالنشوة ويبهر حسنها عيوننا. كان حضورها يسرنا ويدخل الراحة والنشوة في قلوب كل الرفاق والرفيقات الذين كانت تبقى معهم وتناضل إلى جانبهم. فغدت بوقتها هذه مثالاً وقدوةً نقتدي بها في حياتنا النضالية فهي من علمتنا روح الاندفاع والتفاني في سبيل الرفاقية، إلى جانب توطيد قيم الحزب ونهج الشهداء والحرية، فقد عهدنا الرفيقة آخين دائماً كمنبع المعنويات والسرور بالنسبة للوسط الذي كانت تناضل فيه.
كان لشهادتها وقعاً أليماً على كافة الرفاق والرفيقات في بوطان. فكل مكان وكل شبر من أرض وجبال بوطان كان يذكرها ويعبر عنها. فالحياة من دون نشوتها وروحها الاندفاعية باتت صعبة. تركت باستشهادها الفجائي فراغاً كبيراً في الحياة، حديثها، ضحكتها كانت تملئ كل مكان. ذكراها كانت يعم في الحياة وكأننا كنا نشعر بأن جنرالتنا الصغيرة ستظهر في مكان ما لذا فإن أعيننا كانت تقتفي الدروب التي كانت قد عبرتها في كل يوم.
أما الرفيقة روزارين كانت رفيقة محترفة وقديمة. لقد مرت سنين طوال على انضمامها للحزب وتواجدها في ساحة الحرب وبالأخص ساحة بوطان. كانت قدوة لرفاقها في الحياة والحرب. بجسارتها وفدائيتها وتضحياتها كانت قد زرعت الثقة في الوسط. كانت ثقة الرفاق والرفيقات بها بلا حدود. انضمت الرفيقة روزارين للحزب في أعوام 92-93 وأمضت غالبية حياتها الثورية بين صفوف الأنصار في ساحة الشمال، وقضت معظم أيام حياتها النضالية في إيالة آمد.
بعد قدومها إلى ساحة الجنوب أصرت لأجل الذهاب إلى ساحة بوطان. وبالفعل انضمت لقافلة الأنصار المتجهين إلى شمال الوطن لتنضم إلى النضال في تلك البقعة المقدسة من الوطن بفعالية وجأش كبيرين. انضمت لساحة الحرب الساخنة الدائرة في تلك الإيالة فتسلمت هناك أكثر المهام حساسية والتي تتطلب دقة وحرص شديدين مثل (الدفاع الجوهري). كانت تقترب من نضالها هذا بحرص ودقة كبيرين وتقوم بتأدية المهام المخططة لها بنجاح و على أكمل وجه.
كانت الرفيقة روزارين تعطي الثقة والقوة لكل من حولها. كانت تشجعنا وتهبنا القوة والطاقة لاجتياز كل المصاعب والانضمام للحياة والتعرف عليها. كانت تحب الوطن وجباله لدرجة العشق. كانت عاشقة وطنها. لم تكن تقبل بأي نقص أو ضعفٍ في الحياة لذا تقوم على تعليم الرفيقات وتدريبهم من كافة الجوانب ليكن مستعدات لكل مهمة يكلفن بها. كانت تعطي أهمية كبيرة للتدريب لأنها كانت تعرف بأن التدريب يؤدي إلى النصر والنجاح. بالتدريب يستطيع الإنسان اجتياز كافة النواقص التي يعيشها. كانت تجد نفسها مسئولة من هذا الجانب. كانت صاحبة تجارب كثيرة في ساحة الحرب تؤهلها لتكون مصدر الثقة والطمأنينة من قبل كل الرفاق والرفيقات، فتقدم المساعدة لكافة الرفاق والرفيقات دون أي تفرقة. كنا نلوذ ونسعى إليها عندما كنا نحتاج للمساعدة فنستشير بحكمتها وتجاربها الحياتية في كافة المواضيع.
شخصيتها كانت محط ثقة من قبل الجميع. الرفيقة صورخين كانت تثق بها كثيراً بحيث لم تكن تتردد تكليفها بأي مهمة مهما كانت صعبة. فالرفيقة روزارين أو المناضلة الراديكالية العنيدة كانت تحمي قيم ومبادئ الحزب في كل مكان وزمان. هذه الإنسانة العظيمة لم تكن الراحة تعرف سبيلاً لديها، إذ أنها كانت ضمن حركة متواصلة وجهد دءوب. أتذكر بأننا كنا دائماً نقترح عليها بأن تأخذ قسطاً من الراحة إلا أنها كانت تأبى ذلك كما لو كانت في سباق مع الزمن لتطبيق مهامها قبل فوات الأوان.
روزارين كانت تشبه الأرض بعطائها، وسخائها، وبركتها، بل وحتى بلونها، فقد كانت سمراء مائلة بلونها إلى التراب. كانت تشبه تراب الوطن الذي أن أحتل لا يمكن إيجاد تربة أخرى تطمئن البال كتربة الوطن الأصيلة، فقد كانت من الرفيقات اللواتي أن أفرغ مكانها فقد كان من المستعصي ملئ فراغها على أكمل وجه كما كانت تقوم به الرفيقة بتواضعها وتفانيها والاحتراف في المهمة الموكلة إليها. إلى جانب وقفتها كامرأة متمثلة بقيم ومبادئ حرية المرأة على كافة الأصعدة بحيث تهز في المرء شعوراً بالتكامل في شخصيتها البطولية.
عشنا فترة مع الرفيقة روزارين فتركت شعوراً رهيباً بالفراغ على الوسط بعد استشهادها. فرحيلها هي والرفيقة أدار والرفيق أخين و صورخين أثر علينا كثيراً وترك فراغاً عميقاً في قلوبنا. كانت عيوننا تبحث عنهن دائماً وتبقى نظراتنا عالقة في الطرق والدروب التي كنّ يذهبن ويأتينَّ منها. لقد كنَّ مثالاً نحتذي به ونسير على خطاهم.
صورخوين أو الرفيقة التي كان من المحال عدم التأثر بها لدى معرفتها ورؤيتها. كانت ذا شخصية مؤثرة على كافة الرفيقات الأنصاريات. بصداقتها المخلصة وطرازها الإداري المتواضع والمتفاني إلى جانب شخصيتها الفدائية في الحياة كانت مثالاً لرفيقاتها ورفاقها. كانت تناضل و تضحي بكل ما لديها في سبيل توطيد دعائم قيم الحزب والرفاقية الحقيقية. هي القائدة والرفيقة التي ينبض قلبها مع قلوب رفاقها وعاشقة كبيرة للحياة الثورية.
هي الإنسانة المحبوبة في نفوس كل من عرفها، المؤثرة والجذابة التي تجذب المرء للتعرف عليها والتقرب منها. كانت مركز الثقة لقاعدتها كامرأة قيادية. كانت الرفيقة صورخين تناضل بلا هوادة وبطابع المرأة. طرازها في النضال كان بنَّاءً. كانت تشير دائماً إلى وجوب نضال المرأة وفق المبادئ والقيم التي أبرزتها القيادة لنضال المرأة.
الرفيقة صورخين كانت تزهو بكافة ألوان الحياة، بحيث كانت تنبذ الحياة التي لها لون أو طابع واحد. كانت تعيش الحياة بكل جوانبها، فتتفانى في سبيل تصعيد مستوى المحبة بين صفوف الكريلا، وتقوم بلمّ شمل قاعدتها دائماً، وتعمل على تجهيزهم للنضال في كافة المستويات بطواعية ورغبة شديدة. فعلى الرغم من كونها القيادية المسئولة بالمرتبة الأولى آنذاك في تلك المنطقة إلا أن تواضعها وحنانها بالإضافة للثقة التي كانت تهبها لكل رفيق ورفيقة والروح الإنسانية العالية المتمثلة فيها كانت تجعل المرء يتأثر بها مطلقاً وهذا ما كان يميزها عن غيرها من القياديين والقياديات.
كانت راديكالية تقف بصلابة ومتانة كبيرة ضد شتى الأخطاء والمفاهيم الخاطئة في الحياة. ولكنها إلى جانب ذلك كانت تعرف كيف تشد بيد المرء أيضاً وتساعده على كيفية التحرر من النواقص المرتكبة وتهب الثقة لتجاوز هذه النواقص والأخطاء. كانت كشمعة تنير درب رفاقها ورفيقاتها. كانت تحب الحركة كثيراً. كانت تخرج وتقوم بمسيرات استطلاعية واستكشافية لجغرافية بستا وكافة بقاعها. وتحث القاعدة أيضاً على ذلك. كانت تقف بجانب رفيقاتها في كل الظروف.
لم تكن تعترف بالمستحيلات بتاتاً. كانت تقول: " لو أراد الإنسان فإنه لا يوجد أي شيء يعيقه عن تحقيق ما يبغيه". كنا نشتاق إليها كثيراً وننتظر عودتها بفارغ الصبر لدى ذهابها بمهمة أو عمل ما. أتذكر عندما ذهبنا في مهمة كانت قد طالت شهراً ونصف الشهر حينها شعرنا بمدى حاجتنا واشتياقنا إليها مما جعلنا نقوم بكتابة رسالة لها للتعبير عن مدى شوقنا لها وللرفيقات الأخريات الباقيات هناك. أتذكرها كانت في غالب الأيام تقوم بتحضير الشاي وطعام الفطور من ثم تقوم بإيقاظنا بصيحة: صباح الخير يا رفاق (ROJ BAŞ HEVALNO) لتملئ السرور في قلوبنا بابتساماتها النابعة من القلب. وغالباً ما كنا نستيقظ على أنغام الأغاني التي إما أنها كانت تنشدها بصوتها الجميل أو تفتح الراديو لنا في الصباح الباكر. كانت معنا في كل اللحظات وتنضم إلينا بتواضع كبير حتى أنها كانت تشاركنا لحظات مشاكستنا. بالفعل كانت امرأة ناضجة بمبادئ الحرية، كانت قائدة حكيمة وعتيدة مفعمة بروح الطفولة البريئة.
كانت الرفيقة صورخوين تحب كل الرفيقات، إلا أنه كان للرفيقات أدار وآخين وروزارين مكانة خاصة لديها. لذلك أفكر أحياناً بأنهن ربما كنّ محظوظات كثيراً بنيل شرف الشهادة معاً. كنا متعلقات ومرتبطات ببعضهن كثيراً. كنَّ يمثلن الروح الرفاقية التي تتفانى في سبيل حماية قيم وعقيدة الرفاقية الآبوجية حتى آخر قطرة دم في أجسادهم. فنلنّ شرف الشهادة معاً وكأنهم متواعدون على معاً بحيث لم تترك أي منهنّ الأخرى. مثلنًّ بوقفتهم الفدائية روح المقاومة. قاومنًّ وناضلن بلا هوادة في سبيل الحياة المشرفة والكريمة وغالباً ما أشبهن بأربع زهور تزهر بجانب بعضهن البعض، فهن اللواتي وقفن كتفاً بكتف حتى اللحظة الأخيرة من حياتهن.
بعد استشهاد الرفيقات كان يمكننا الشعور بصدى أصواتهن يدب في كل الأمكنة التي تواجدن فيها في منطقة بستا، فقد استشهدن لتروينّ بدمائهن الطاهرة بستا المرتوية بدماء الآلاف من الشهداء البررة قبلهن. تركتّ كل منهنّ رسالة نصتنا إليها بقلوبنا. رسالتهنّ نشرت المحبة في جميع أرجاء بوطان. لقد تركنّ وقعاً عميقاً في نفوس كل من عرفهنّ لأنهن كنّ ومازلن طليعياتنا وأمثلتنا المتفانية في سبيل الحياة الحرة والكريمة.
هنّ اللواتي ستزهرنّ بوطان بدمائهن الطاهرة على الدوام. فمرت سنوات إلا أن أعيننا مازالت تبحث عنهنّ في كل حدب وصوب نذهب إليه ونتذكرهن في كل حين، مازالت قلوبنا تشعر وتنبض لأجل تطبيق مثال رفاقية الشهيدة أدار وروح التفاؤل للشهيدة آخين وإنسانية الشهيدة صورخوين وحيوية الشهيدة روزارين في شخصياتنا، لأنهنّ مثلنّ روح الرفاقية المخلصة أبداً للقائد آبو.