الميزة الأساسية التي كانت تتمتع بها شخصية الرفيقة بيريتان هو كونها كانت صاحبة إرادة متينة ووعي رفيع...
بريتان ديرسم
نواجه كحركة في هذه المرحلة التاريخية مرة أخرى تماماً كما كان هو الأمر في السابق، سياسات وممارسات تعسفية لا إنسانية تهدف إبادة شعبنا و تصفية قيادتنا وحركتنا. إلا أن القائد آبو "رفيق المرأة الذي لا مثيل له " على الرغم من كل هذه الممارسات البعيدة كل البعد عن الأخلاق الإنسانية بيَّن لنا من خلال مواقفه الطريق الدالة على كيفية ممارسة النضال بطموح وعنفوان الحرية، وأبرز دوره كقائد مؤثر لنضالنا التحرري في كل الأوقات. كل السياسات العدائية والتعسفية الممارسة بحق قيادتنا تهدف إلى إبقاءنا ضمن حياة الذل والهوان بلا هوية من خلال فصلنا عن القائد آبو وتعاليمه وفلسفته التحررية.
إننا كنساء أنصاريات مناضلات من أجل الحرية، وككادرات مدربات من قبل القائد أبو ومعبآت بأفكاره وتعاليمه التحررية لدى محاربتنا في هذه الثورة من أجل الحياة الحرة والكريمة، بذلنا وأعطينا العديد من الشهداء أمثال بيريتان، عزيمة، زيلان، سما، روجبين عرب، نوجان، فيان، سورخوين، يلدز، روزا، دليلا... اللواتي ضحينا بكل باسلة وشهامة حتى آخر نقطة من أرواحهم في سبيل تكوين شخصية حرة كريمة ذات إرادة وهوية حرة للمرأة.
أصبحوا من خلال شخصياتهم وانضمامهم ومواقفهم الثورية التي أخذت مكانة هامة ضمن تاريخ حركتنا، المثال الأساس الذي نقتدي به. فالقائمون بخلق المعاني التاريخية أصبحوا دائماً أبطالاً ورواداً للمجتمع. نحن كأعضاء حركةٍ أبطالُها كُثر، تقع علينا مسؤولية إيلاء وإعطاء الأهمية لهؤلاء الأبطال بالشكل الذي يليق بآمالهم وأهدافهم. من المعلوم بأن كل شهر من شهور نضالنا التحرري له أبطاله وشهدائه، لذا فإن هذا الشهر أي شهر تشرين الأول يحمل معاني كبيرة من هذه الناحية. فهو شهر خلقت فيه الكوادر النساء أمثال بيريتان، عزيمة، مريم، زنارين، زينب، صاريا بطولات عظيمة سطرت تاريخ النساء بألوان الحرية. فهو شهر ألتقت فيه النساء الباسلات العظيمات مع بعضها البعض ليشكلوا حلقة هامة في تاريخ نضال حركتنا التحررية. لذا يمكننا أن نقول بأن هذا الشهر هو شهر النساء الساميات السائرات نحو الحرية. ومن بين عمليات الرفيقات التي أكسبت هذا الشهر معنى العظمة والإباء هي عملية الرفيقة بيريتان. قبل كل شيء فإن فهم عملية وشخصية الرفيقة بيريتان تعتبر حاجة ماسة بالنسبة لها نحن الكوادر وذلك من أجل تطوير النضال التحرري لتلبية متطلبات المرحلة الراهنة التي نحن بصددها. ما هي الحقيقة التي أدت إلى أن تصبح بيريتان، بيريتان البطلة. عمليتها الجسورة التي تحتفي بكل آيات السمو والعظمة والحرية، شكل شهادتها هو من حفر اسمها كبطلة، لذا ما يقع على عاتقنا من مهام نحن ككادرات سائرات على دربهم هو ترسيخ حقائقهم هذه في حياتنا العملية. من هذا المنطلق يتوجب علينا تخليداً لذكراهم أن توقف بعمق كبير على حقيقة شخصية بيريتان ونهجها التحرري قبل كل شيء. الرفيقة بيريتان هي نهجٌ ووقفة في نفس الوقت. فلدى تبيان قيادتنا بأنه " يجب إحياء خط بيريتان في الحياة" يضع أمامنا ضرورة وأهمية تطوير ورفع خط المقاومة الذي هو الخط والنهج الذي انتهجته بيريتان في مواجهة التقربات التي تهدف إلى فرض الاستسلام والتصفية على حركتنا في هذه المرحلة. أصبحت بيريتان رمز وملحمة تطبيق نهج المقاومة الآبوجية في الحياة ضد مفهوم الاستسلام المفروض من قبل العملاء والمتطور في شخصية فرات في تمشيط الجنوب الكبير الحاصل عام ١٩٩٢.
أعطى القائد آبو بطرازه وفلسفته التي تسمو بالقيم التي خلقها الشهداء في الحياة، الجواب المناسب للرفيقة بيريتان والعملية التي قامت بها، بحيث قام ببدء مرحلة تاريخية في نضال المرأة التحرري وذلك بتطويره لتجَّيش المرأة وتقودها ( القادة النساء). كما أصبح القائد صاحب وقفة وعملية مثل حياة الرفيقة بيريتان في الحياة. أصبحت شخصية بيريتان بمحبتها ورفاقيتها الروحية التي لا توصف، شخصية تتأثر بها كل امرأة، ومقياس الحياة التي تهدف كل كادر أو كادرة حزبية للوصول إليها في الحياة.
الميزة الأساسية التي كانت تتمتع بها شخصية الرفيقة بيريتان هو كونها كانت صاحبة إرادة متينة ووعي رفيع. إننا لو قرأنا يوميات الرفيقة بيريتان فإننا سنرى ونفهم بكل وضوح بأننا أمام شخصية تقترب من الظواهر والحوادث القائمة في الحياة من خلال المحاسبة والتحقيق في الأسباب التي أدت إلى ظهور تلك الحوادث لذا تتصرف بكل نضج تجاه النتائج وتعطيها المعاني المطلوبة بحسب ذلك، وتتخذ المواقف الواجب اتخاذها من دون أي تردد. كما أننا لو تمعنا في شخصية الرفيقة بيريتان فإننا سنجد أنفسنا أمام شخصية كادرية تسمو بإصرارها وعزيمتها العارمة من أجل النصر والتقدم، تقف أمام كافة المحن والصعاب التي تواجهها بكل قوة ومتانة، تعرف أن تكون من صاحبة مواقف عملية صائبة وراديكالية خالقة للبديل دائماً.
الميزة الأخرى التي كانت تتمتع بها الرفيقة بيريتان هو كونها أديبة مبدعة، تبارز أشعارها أشعار أفضل الشعراء. وقد كتبت في تقرير كتبته للقيادة بأنها ترغب في كتابة رواية بحق القيادة. لا ريب في أنها لو عاشت، كانت ستكون واحدة من بين الرفاق اللائي كن سيكتبن ويعبرن عن القيادة بأحسن شكل ممكن. كانت شخصية متعلمة ومدربة من جميع النواحي، واثقة من ذاتها، جانبها الاجتماعي قوي، مبدعة وماهرة، انضباطية من الجانب العسكري وقائدة ناجحة. بإيجاز فهي كانت كادرة حزبية بكل معنى الكلمة. فهي بامتلاكها لقوة الحل أمام الصعاب والقضايا وبمواقفها المعلمة والمدربة كانت مركز جذب بالنسبة لرفاقها. كسبت بسبب علاقاتها الساخنة والصميمية محبة وتقدير رفاقها كامرأة وكقائدة. يعبر الرفاق الباقون معها بأنهم حتى الآن يستمدون القوة في نضالهم من ما علمتهم إياه الرفيقة بيريتان. وذلك لأنها كانت محاربة مضحية وواثقة من تحرر وتطور المرأة. الرفيقة بيريتان كانت دائماً المثال المنير لرفاقها بميزتها التي كانت تحول الحقد الذي تكنه تجاه التخلف والرجعية إلى منبع لتوعية وتطوير ذاتها ومحيطها. باقترابها من القضايا التنظيمية بتيقظ وروح مسؤولية عالية، وبمواقفها التي تبدي فيها النقد والنقد الذاتي من دون أن تشعر بأي تردد أو أن يتخللها أي تفكير يحيلها عن القيام بذلك ضمن الاجتماعات التنظيمية، بينت وعبرت عن ما يحمله كل ثوري من مسؤولية ومهام هامة. فإن سعيها من خلال قراءتها لتحليلات القيادة فقط لإحياء طراز وفلسفة القيادة في الحياة، وترسيخها لأفكار القيادة وتطبيقها في شخصيتها بوتيرة أعلى وأكثر من الرفيقات والرفاق الذين رأوا القيادة ولقوا التدريب في ساحته وجهاً لوجه على الرغم من أنها لم ترى القيادة ، نابع من كونها صاحبة وعي وقوة خارقة. الرفيقة بيريتان أثبتت من خلال العلاقات المتينة والمليئة بالمعاني التي بنتها مع رفاقها سواء أكانوا شباباً أو فتيات بأنها كإنسانة وكامرأة صاحبة أخلاق ومفهوم رفاقي نسج بمبادئ الحرية، تعطي القيمة الكبيرة للعلاقات الإنسانية. إذ يبين كل من يعرفها وبالأخص الرفاق الشباب بأنهم لم ينظروا ولم يستطيعوا النظر إلى الرفيقة بيريتان كما ينظر رجل لامرأة بنظرة كلاسيكية. لأن المرأة المناضلة والمدربة لذاتها تصبح قوية، والمرأة القوية تصبح جميلة، والمرأة الجميلة هي المرأة التي تستحق أن تُحَب من قبل الجميع. والرفيقة بيريتان بشخصيتها القوية والجميلة كسبت محبة كافة الرفيقات و الرفاق المحيطين بها. وحدت الرفيقة بيريتان حبها لرفيقها بدران الذي كان خطيبها في الحياة المدنية ورفيق دربها ضمن الثورة أيضاً مع قيم نضالها التحرري، وخلقت علاقة عشق حقيقية من خلال توحيد هذا العشق مع عشق الوطن والوطنية، فأظهرت بذلك بأنها اجتازت وحررت نفسها من مقاييس النظام الكلاسيكية الرجعية.
تعبر الرفيقة بيريتان عن حبها القوي هذا من خلال أشعارها بحيث من المحال على القارئ أن يشعر بأنها تحب رفيقها أكثر من الوطن أو الوطن أكثر من رفيقها لدى قراءته لهذه الأشعار. وهذا يعود بالطبع إلى تقرب الرفيقة بيريتان القائم على أساس عدم الرد الفظ للشخص من جهة، وعدم الارتباط المزمن به من جهة أخرى أي أنها كانت تتخذ التوازن أساساً في علاقاتها مع الفرد، كما أنها كانت على قناعة ووعي عميق بأن العشق الحقيقي يتطلب تحرير الذات والوطن قبل كل شيء، ولخلق الحب والعشق الحقيقي لا بد للشخص أن يحارب ويبذل التضحيات الجسام. لذا نستطيع القول بأنها كانت المرأة الممثلة للعشق والحب الحقيقي.
لما يرى الإنسان الصعاب لدى تعبيره وتعريفه للجميل والقوي والحسن؟ أعتقد بأن ذلك ينبع من الشك في أن تكون الكلمات والأسطر عاجزة وغير كافية عن وصفهم وتعريفهم. إلا أنه ورغم كل شيء يتطلب منا القيام بالكتابة والحديث عنهم لكي نخلد ونحي ذكراهم ونجعلهم ملك للتاريخ ليعرف ويعلم الجميع من خلق هذا التاريخ وكيف خلقه.
بيريتان هي واحدة من الشخصيات التاريخية التي لن تنسى أبداً. فالإنسان يصبح تاريخاً بما يُخلّفُه خلفه من أثار تدل على ما عاشه وقام به من أعمال. الإنسان الذي يخلق التاريخ، هو الإنسان الذي يعطي للحياة حقها. يخلق التاريخ من الروح، والدم ودموع العين. المضحون بأرواحهم في سبيل الحب، الديمقراطية، السلام والمساواة، العدالة، الحرية، الجهد هم من يضفون المعنى على التاريخ لدينا. هؤلاء الفدائيون هم من كتب وسطر التاريخ. الجميع يعرف كيف ألقت بيريتان بنفسها من أعلى المنحدرات من أجل أن لا تستسلم للعبودية، لأنها تعرف بأن الإلقاء بالنفس من أعلى هذه المنحدرات هو تحليق وطيران للحرية.
فإن كانت المنحدرات تمثل الحياة والنظام العبودي، فإن التحليق من هذه المنحدرات يمثل الطريق إلى الحرية. إن تسمية البيشمركة الذين نادوا الرفيقة بيريتان بأن تسلم نفسها وهي على حافة المنحدر، أسماء بناتهم باسم بيريتان يعود إلى التأثير القوي الذي تركته عملية وشخصية الرفيقة بيريتان كفتاة كردية عليهم. وما حظر فيلم بيريتان في تركيا، إلا ناتج ونابع من شخصية بيريتان وقوة عمليتها.
الرفيقة بيريتان هي من الشخصيات التي يمكننا وصفها بالإعصار ضمن ثورتنا، وعلى حد تعبيرها القائل " بأن الثورة تتطلب شخصيات قوية كالإعصار. لا يمكن تحقيق الثورة والانتصار في العمل الثوري بالشخصيات الضعيفة والسطحية". قامت الرفيقة بيريتان بشخصيتها القوية كالإعصار بتحقيق النصر والنجاح في كافة المهام والأعمال المطلوبة منها وذلك لأنها كانت تقترب من تطبيق المهام المكلفة بها بعشق وعنفوان وروح معنوية عالية.
أصبحت بيريتان نهج الحياة والنضال بالنسبة لحركتنا التحررية بعمليتها وشخصيتها الثورية. كما أصبحت مثالاً ومقياس للمرأة القائدة ضمن الحركة. أصبح التاريخ الهام الذي تركته لنا بيريتان وأمثالها الميراث الذي نقتدي به. أننا كمحاربات نناضل وننظم نفسنا بالاستناد على هذا الميراث العريق، ونوضح إصرارنا في رفع وتيرة نضالنا في حربنا حرب الدفاع المشروعة ونطمح للنصر في نضالنا التحرري. وإننا نعاهد وندعي في هذه المرحلة المهمة التي نمر بها بأننا سنجسد خط بيريتان في الحياة وسنثابر للوصول إلى شخصيتها القيادية والمليتانية. وستكون عملية بيريتان وشخصيتها المقدامة القدوة والمثال الأمثل بالنسبة لنا نحن النساء والثوريين في كل زمان ومكان.