كوباني الحضن التي أبتْ الحوريات أن لا تنمن إلّاَ فيها...
برمال كمال
الحياة لوحة رُسِمتْ بأناملِ فنانٍ أتقن لغة العظمة وجسّدها في خطوط ريشته، فعظمة الربيع تكمن في تفتحِ أول برعم يوحي بولادة جديدة وبأمل جديد، وعظمة الشتاء هي حقيقة انبلاج الكون، هي ذلك الصوت النابع من أعماق التاريخ، هي ذلك البرق والإعصار،هي العنفوان والشموخ. والصيف ضوء الحقيقة الساطعة، ونور الحياة وهبة الآلهة. وهذا الخريف طريق الوصول، وهو نهاية البداية وبداية النهاية لألوان الحياة. وهي كانت لوناً من ألوان هذه اللوحة الخالدة. فهل كان اسمها أسطورة أم إنّها تلك التي تستعص على الكلام والوصف والخيال؟.
تلك هي التي لم ولن تكون ذات مثيل في أيّ زمانٍ، وأيّ بقعةٍ على هذا الكون الواسع. هل ستسعفني الكلمات على الوفاء ببعض من واجب الضمير؟ نعم، شيءٌ لم يشهد التاريخُ له احتمال. إنّها روج آفا ثورة الثوار الحقيقيين، إنّها الأبنة التي كانت ابتسامتها وسع النفس الإنسانية. العيون الزيتونية العفرينية، والروح الطفولية كانت هويتها التي لم تتركها، أسطورة وُلِدتْ في أحضان أوراق الزيتون، وكبرت ابتسامتهامع إشراقة شمس كلّ صباح في وطني. وتطايرت رقصاتها كعصفورة جابت كلّ البقاع.
كانت ومنذ نعومة أظافرها عنيدة صبورة، لكنها تهوا الفنون، كنتَ تجدها في كلِّ مكانٍ وزمانٍ. الإصرار على حل المستحيلات ميزتها. تلميذة وفتْ العهد لمعلمها وقائدها، لبتْ نداء الوطن،والمجتمع،والإنسانية،فرسختْ كافة القيم النبيلة في كلّ خطوةٍ من خطواتها الشجاعة. سارت من هنا من روج آفا،حاملةً حبّ الوطنِ إلى قنديل لتنهل من ينابيع الشجاعة إلى ديرسم، لتكون العاصفة في وجه كلّ الصعاب.
إلى كوباني، وما أدراكَ ما كوباني. إنّها الحضن التي أبتْ الحوريات أن تنام إلّاَ فيها. رفيقتي تمهلتْ في خطاها، لتترك على قمة كلّ جبلٍ، وفي ظلّ كلّ شجرةٍ وصخرةٍ، وفي مياه كلّ نهرٍ وقطرات الندى، وفي كلّ زهرةٍ من بلادي ذكرى وعهد وأسطورة. الآن تتحدث الغيوم والنسمات عن مرور آلهة الأسطورة الخالدة من هنا.
رفيقتي ابتسامتكِ مازالتْ مرسومةً على كلّ الشفاه، وضحكتكِ مازالتْ عنوان الأثير. كانت أشواقي بقدر عظمتكِ كبيرة، وكان لقاءنا بقدر أشواقنا جميلةً. خلتْ هذا اللقاء عودة البداية من جديد، تلك البداية التي انطلقناها معاً، الخطوة الأولى، البداية الأولى، العهد الأول ومسافات الأميال. فلكلّ بداية عظيمة نهاية بقدر عظمتها.
صديقتي ورفيقتي سارتْ من قنديل إلى كوباني الأبيّة، لبتْ نداء آرين لتنضم إلى رقصة الفراشات على حدود الزمن.اليوم تناثرتْ الخصلات الذهبية،لتلحف كوباني وتطهرها وتحميها. اليوم أسدلتْ الجفون على أطلال كوباني. اليوم احتضنتْ ضحكاتُ الصغارِ وشوقُ الجميلاتِ، ونظراتُ الأملِ الحالمةِ في عيونِ الأمهاتِ، وتجاعيدِ الأجدادِ الغائرةِ في العمقِ كعمقِ عنفوانِ كوباني،كوباني المنتصرة دوماً.
فرفيقتي أضافتْ إلى أساطيرها أسطورة، سترددها أطلال كوباني على مرِّ الأزمانِ. رفيقتي اسمها الحرية، اسمها أوزكو. فهل تأبى الحرية إلّا السكن في أجساد الطهارة، السكن في أرواح ملكاتِ وطني،لتتحول كلّ واحدة منهنَ إلى أسطورة.
اليوم أصبحتْ أسطورةً
إليكِ أنتِ فقط، صديقتي
إليكِ أيّتها الشامخةُ العاصيةً
إليكِ يا نفحة قادمة من وديان ديرسم
إليكِ يا عروسَة كوباني
إليكِ اليوم أزفُّ كلماتي
كلماتي التي اشتاقتْ إلى مسامعكِ
اشتاقتْ أن تتلقفهاابتسامتكِ الأبيّة
إليكِ، ولأجلكِ كنتُ أرنو كلَّ صباحٍ ومساءٍ
أملاً في لقائكِ
اليوم لم يكنْ ككلِّ الأيامِ
اليوم تذكرتُ أولّ لقاءٍ.....ولكنْ أمل آخر لقاء
هذا الأمل الذي أصبحتِ فيه اليوم أسطورة الخلودِ
فلتكوني اليوم أسطورتي
رفيقتي التي طالما انتظرتُ لقاءها
لألقى اليوم أسطورتها
رفيقتي التي نامتْ في أحضانِ كوباني
اليوم ترقدُ بسلامٍ
اليوم ترقدُ بأمانٍ
إليكِ اليوم أنثرُ نفحات أثيري
أسطورتي اليوم، وأسطورة كلّ الأيام أنتِ
رفيقتي أوزكور